وكان من أزكى رجال هذا الخلف الطيب طائفة من المصطفين الأخيار من أهل المائة الأولى والثانية، اختارتهم العناية الإلهية للنهوض بهذه المأمورية تحملا ورواية، ودراسة ودراية، وتحريرا لوجوه القراءات، وتنقيحا للطرق والروايات، وإتقانا للأصول والفروع، وتجويدا للحروف، ومعرفة بالأداء والوقوف، فكانوا بذلك في زمانهم وبعده الحصن الحصين لكتاب الله، وصلة الوصل الأمينة بين المتلقين له من مشكاة النبوة، وبين الأجيال الخالفة من التابعين وتابعي التابعين، والسائرين على منهاجهم بإحسان في تلاوة هذا الكتاب إلى يوم الدين.
وما تزال أنفاس هذا الخلف الطيب سارية نابضة، مع كل حرف يقرأ به من حروف هذا الكتاب، وماثلة شاهدة، مع كل كيفية من كيفيات الأداء، على الوجوه التي حرروها وضبطوها، ولقنوها ووصفوها لمن أخذها عنهم، فصارت اختياراتهم في ذلك الوعاء الطاهر الذي انصبت فيه التلاوة الرسمية في أمصار الإسلام الكبرى: المدينة المنورة، ومكة المكرمة، ودمشق الشام، والبصرة والكوفة حاضرتي العراق.
وما لبث أن تبلور ذلك كله في اختيارات سبعة من أئمة القراء في تلك الأمصار، إذ كانوا فيها خيار ذلك الخيار، ممن اجتمعت الأمة على عدالتهم وضبطهم، والثقة بهم فيما نقلوا، والاقتداء بهم فيما قرءوا به وأخذوا.
وكان من لباب ذلك اللباب إمام دار الهجرة وقارئها نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الذي اختار المغاربة قراءته، وأدوا عن طريقها كتاب الله في التعليم والتلاوة والصلوات، خلال أزيد من اثني عشر قرنا من الزمان، على حسب ما انتهت إليهم من رواية ورش المصري.
ولقد رافقنا هذه القراءة في مسارها التاريخي في رحلة العبور نحو الجهات المغربية، وصحبناها في أول عهدها بالمنطقة وهي تتلمس طريقها لتغدو عن قريب القراءة الرسمية المعتمدة في عامة الجهات، وما صاحب ذلك من تطورات.
وآخر لم أدر إسمه غيرأنه... على نحو نظم "الحرز" منظومه انجلي
فجملتها عشرون تتلو ثمانيا... فدونكها نسخا وحفظالتنبلا(١).
وما يزال بعض نسخها محفوظا في بعض خزائن مصر والشام وغيرهمابعنوان "المالكية في القراءات السبع"(٢).
١٦٣- معارضة للشاطبية أو "الشمعة في القراءات السبعة "للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الموصلي المعروف ب"شعلة" صاحب "كنز المعاني" الآنف الذكر، وهي "قصيدة رائية قدر نصف الشاطبية مختصرة جدا أحسن في نظمها واختصارها"(٣).
١٦٤- معارضة أو "مختصر للشاطبية" لعبد الصمد التبريزي شيخ تبريز والعراق (ت ٧٦٥)
قال ابن الجزري :"اختصر الشاطبة نظما حسنا في خمسمائة وعشرين بيتا"(٤).
١٦٥- معارضة للشاطبية أو "عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي "لأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي (٧٤٥)

(١) - القطعة بتمامها في ٢٨ بيتا نقلها السيوطي في بغية الوعاة ١/١٣١-١٣٢ في ترجمة ابن مالك رقم ٢٢٤ فقال :"وأما تصانيفه فرأيت في تذكرة الشيخ تاج الدين بن مكتوم أن بعضهم نظمها في أبيات... ثم ذكرها.
(٢) - منها نسخة بظاهرية دمشق (علوم القرءان) برقم ٩١٤١ وبدار الكتب بالقاهرة برقم ٢٣٠٣٥ ب وبمكتبة لاله لي السليمانية بأستامبول برقم ٦٢ (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي ١/٢٣٤).
(٣) - قاله ابن الجزري في النشر ١/٩٤-٩٥ وسماها "الشفعة" وهي في كشف الظنون ٢١٠٦٤ باسم "الشمعة المضية "، بنشر القراءات السبع المرضية " "قال : وهي رائية قدر نصف الشاطبية مختصرة جدا أحسن في نظمها واختصارها"- الكشف ٢/١٠٦٤-١٠٦٥".
(٤) - غاية النهاية ١/٣٩١ ترجمة ١٦٦٨ ومثله في لطائف الإشارات للقسطلاني ١/٨٩.


الصفحة التالية
Icon