فإن ارتياب الذهبي في ذلك لا يكفي لاستبعاد جلوس نافع لبعض المتعلمين عليه في مثل هذه السن، سن الخامسة والعشرين، لاسيما إذا صح ما ذكره بعض الباحثين في ترجمة الإمام مالك بن أنس متحدثا عن طفولته، حيث ذكر أن أسرته "انتقلت به من المروة(١)إلى العقيق(٢)بقرب المدينة، فعاش مع أخ له من تجارة البز، حتى وجهته أمه إلى الكتاب، فحفظ القرآن على قارئ المدينة أول السبعة القراء(٣)نافع بن أبي نعيم"(٤).
فإذا كان مالك المولود سنة ثلاث وتسعين من الهجرة قد حفظ عليه القرآن، فمن الجائز أن يكون قد بدأ في ممارسة التعليم والتأديب مبكرا، وهو ما تفيده العبارة التي عبر بها بعضهم فنعته بـ"مؤدب مالك بن أنس"(٥).
(١) - لعل المراد ذو المروة وهو من أعمال المدينة قرى واسعة وهي لجهينة، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، ينظر معجم ما استعجم للبكري ٤/١٢١٨.
(٢) - العقيق واد فسيح قرب المدينة في طريق مكة وردت فيه آثار كثيرة يرجع إلى بعضها في معجم البكري ٣/٩٥٢-٩٥٣.
(٣) - لعله يريد بأولهم ما درج عليه المؤلفون من تقديمه في الذكر اقتداء بابن مجاهد الذي بدأ به السبعة وقد تقدم لنا ذكر سبب تقديم ابن مجاهد وغيره له. وأما أقدم السبعة وفاة فهو عبد الله بن عامر (ت ١١٨).
(٤) - من محاضرة لإبراهيم صالح الحسيني من علماء نيجيريا، منشورة في محاضرات "ندوة الإمام مالك" ١/١٢٦.
(٥) - شرف الطالب في أسنى المطالب لابن قنفذ ضمن كتاب (ألف سنة من الوفيات في ثلاثة كتب) ص ٣٤.
(٢) - العقيق واد فسيح قرب المدينة في طريق مكة وردت فيه آثار كثيرة يرجع إلى بعضها في معجم البكري ٣/٩٥٢-٩٥٣.
(٣) - لعله يريد بأولهم ما درج عليه المؤلفون من تقديمه في الذكر اقتداء بابن مجاهد الذي بدأ به السبعة وقد تقدم لنا ذكر سبب تقديم ابن مجاهد وغيره له. وأما أقدم السبعة وفاة فهو عبد الله بن عامر (ت ١١٨).
(٤) - من محاضرة لإبراهيم صالح الحسيني من علماء نيجيريا، منشورة في محاضرات "ندوة الإمام مالك" ١/١٢٦.
(٥) - شرف الطالب في أسنى المطالب لابن قنفذ ضمن كتاب (ألف سنة من الوفيات في ثلاثة كتب) ص ٣٤.
وبعد فهذا أثر الشاطبية الكبرى في ميدان التأليف في مجالات شرحها وبيان مقاصده فيها والاستدراك عليه وتكملة ما رآه بعضهم ضروريا لتمام الفائدة وفي التأليف في طرقها والنظم على منوالها وتهذيب بعض أبوابها ومسائلها، وهو مجال فسيح جدا إنما قمنا بجولة في بعض جوانبه المعروفة والمشهورة.
ولقد اقترن بهذا المجال مجال آخر لا يقل سعة عنه، وقد تمثل في اعتماد القصيدة في استنباط أحكام القراءة والأداء والإستدلال عليها منها أو من شروحها، مما كان له أثر بليغ عند المتعاملين معها في فقه مسائل الخلاف، بحيث كانت أبياتها- ولا سيما في المدرسة المغربية- دستورا للقراء في عامة ما يعرض لهم منها، كما أمست شروحها مرتعا خصبا للباحثين في التوجيهات والتعليلات وتفريع الوجوه والمسائل، ولهذا نجد مؤلفات المتأخرين تزخر بالنقول عن الشراح، كما نجد الإشارات إلى الشروح في المنظومات والمسائل التي كانت تجري فيها المحاورات بين الشيوخ، وهو فن جديد توسع فيه المغاربة توسعا كبيرا كما سنرى.
وهذه نماذج من ذلك تبين مقدار تأثير الحرز وشروحه في هذا المجال عند مشايخ المدرسة المغربية :
١- عند الإمام أبي عبد الله القيسي الكفيف (ت ٨١٠)
سيأتي التعريف بهذا الإمام في المدراس الأصولية في المدرسة المغربية بفاس، ونريد هنا أن نشير فحسب إلى مقدار اعتماده في منظوماته الكثيرة على شروح الشاطبية وحفظه لمسائلها. يقول في إحداها :
حقيقة ذا التفخيم تنحو بفتحة | لضم، وللداني جرى ليس يشكل |
ومن قال ذا التغليظ إشباع فتحة | (أبو شامة) الأسنى كذا قال فاقبلوا(١) |
والإظهار عند (الفاسي) أجودثم ل"(السخاوي) هو المختار للنص فاركنا
وقال فيها :
تأول هذا كله من له ذكا | (أبو شامة) المغروف يارب كن لنا (٢) |
(١) - نقله ابن القاضي في الفجر الساطع.
(٢) - نقله في الفجر الساطع.
(٢) - نقله في الفجر الساطع.