وإذا صح لنا أن مالكا تأدب عليه في كتاب بالعقيق، أمكن لنا أن نحدد المنطقة التي كانت تقطنها عشيرته أو على الأقل كان يشتغل فيها في التعليم في باكورة شبابه، إما صاحب كتاب أو مساعدا لبعض أصحاب المكاتب المحترفين لهذه المهنة، وهي مهنة قديمة العهد بالمدينة ترجع أصولها إلى عهد النبوة، مع فارق واحد هو أنها لم تكن في عهدها لقاء أجرة(١).
ويذكر ياقوت الحموي في معجمه نقلا عن الحافظ ابن عساكر أن المدينة كان فيها زمن أبي بكر الصديق مكتب لتعليم القراءة والكتابة(٢).
ويذكر الإمام الشوشاوي(٣)أن أيام تعليم الصبيان قد تحددت في خلافة عمر بن الخطاب، "وذلك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أمر عابد بن عبد الله الخزاعي أن يلازم الصبيان للتعليم بعد صلاة الصبح إلى الضحى الأعلى، ثم من الظهر إلى صلاة العصر، ويسرحون في بقية النهار".
وذكر قبل هذا أن الدراسة تختص بالأيام الخمسة: السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء قال:
"وأما وقت التسريح من الأيام فهو يومان: يوم الخميس ويوم الجمعة، أعني بعد كتبهم الألواح وتصحيحها وتجويدها يوم الخميس، ولا يرجعون إلى المكتب إلى صبيحة يوم السبت، بهذا أمر عمر بن الخطاب عابد بن عبد الله الخزاعي"(٤).
الكتاتيب القرآنية بالمدينة في عهد نافع القارئ الناشئ

(١) - وذلك لما في حديث عبادة بن الصامت أنه علم ناسا من أهل الصفة القراءة والكتابة، فأهدى له أحدهم قوسا، فنهاه النبي ﷺ عن قبولها، ينظر في سنن أبي داود ٢/٢٣٧.
(٢) - معجم البلدان ٢/٢١٧
(٣) - هو حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي وسيأتي ـ.
(٤) - الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة للشوشاوي ٢٨٥-٢٨٦.

حقيقتها الإنحاف للرا وضعفها به (الجعبري) العدل قال وقولا
(أبو شامة) الغراء و(الجعبري) خذ نصوصهما تكفيك واحسن تأولا
وقال :
هما يوجبان اللام تفخيمها ولو أميلا حكى هذا (أبو شامة) العلا
كذلك نص (الجعبري) أخو الرضا لدى شرحه "حرز الأماني" مفصلا(١)
٢- عند أبي وكيل ميمون مولى الفخار في "تحفة المنافع" :
سيأتي التعريف به في المدارس الأصولية المغربية بفاس، ونقف الآن على نماذج تمثل أثر الشاطبية وشروحها في منظومته في قراءة نافع. يقول في باب المد :
في الشرح (للفاسي) تخريج حسن إذ قال للتوسيط رعي الجانبين
وذاك في ميم بأولى العنكبوت وآل عمران(٢) صحيح عن ثبوت
وقال في الباب نفسه :
فصل وأشبع مدها للهمز مؤخرا محققا في (الحرز)
ويقول في ذكر المذاهب الثلاثة في كيفية النطق بالتسهيل للهمز :
واحذر صويت الهاء عند النطق ووقيل إلان أو عند فتح فابق
ثلاثة (للشامي)(٣) والداني...... وابن حدادة(٤) الرضا المرضي
وقال:
هل يمد الهمزة المسهل قال (أبو شامة) فالمعول
عليه ترك المد فيما خففه إذ هي قال زنة المحركة(٥).
وقال في باب اللامات :
حقيقة التغليظ قال (الشامي) زيادة العمل قل في اللام
وقال فيما قيل من رجوع نافع في ياء "محياي" من السكون إلى الفتح :
بأنه من السكون قد رجع لمقرأ الفتح وذا عنه وقع
لشيخنا (الشامي) ب(شرح الحرز) (٦) وتم ذا الباب على ما يجزي
٣- عند الإمام أبن غازي وصاحبه أبي العباس الدقون :
(١) - نقله ابن القاضي في الفجر في باب اللامات.
(٢) - يعني (ألم أحسب)" في أول العنكبوت، و(ألم الله لا إله إلا هو) في أول آل عمران.
(٣) - هو أبو شامة صاحب إبراز المعاني شرح الشاطبية.
(٤) - هو أبو عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الصلحي الشهير بابن حداد من أعلام مشيخة المدرسة الأصولية بفاس وسيأتي.
(٥) - يعني في "ءالد" وما أشبههه.
(٦) - يعني لأبي شامة في شرحه.


الصفحة التالية
Icon