وفي الصحيح ما يدل على أن هذه الكتاتيب كانت تدر على أصحابها مكاسب من أكثر من سبيل، وذلك عن طريق الانتفاع ببعض الخدمات التي يؤديها بعض الفتيان لصالح بعض الميسورين لقاء مكافآت مالية، ففي حديث أم سليم أنها بعثت إلى معلم الكتاب أن أبعث إلي غلمانا ينفشون صوفا، ولا تبعث إلي حرا"(١).
ويظهر أن بعض المعلمين كانوا يمزجون فيها بين تعليم القراءة والكتابة وبين تعليم الحساب وغير ذلك من العلوم، وفي ترجمة علقمة بن أبي علقمة ـ مولى لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ـ أنه كان له كتاب يعلم فيه العربية والنحو والعروض"(٢).

(١) - صحيح البخاري كتاب الديات ٤/١٩٣.
(٢) - وذكر أنه مات في أول خلفة المنصور سنة ١٣٧ هـ وقد روى عنه مالك بن أنس: طبقات ابن سعد المجلد الملحق الذي ذكر فيه أهل المدينة ٣٤٢-٣٤٣ ترجمة ٢٥١.

بفغري(١) ولَيّ مع سكون وفتحة وطول وقصر لا توسط للمصري
إلى قوله :
وقد جمعت من الصفات غوامضا ويعرفها من عنده (الكنز) بالحزر؟
ثم ذكر الجواب فقال :
جوابكم "محياي" في مذهب المصري بآخر أنعام تفرد كالبدر(٢).
ومنه قوله في جواب سؤال عن الفرق بين "راءك" في وجوب الإمالة وبين "رأيته" بترك "بترك الإمالة :
جوابكم في (الحرز) و(الدر لامع) وجود سكون لازم لاح كالبدر
أو القلب هذا الفرق برهانه جلا ب(كنز المعاني) خذ عروسا بلا مهر(٣).
وعلى العموم فإن الشاطبية وشروحها قد سيطرت في المدرسة المغربية سيطرة كبيرة، وكانت مسائل الخلاف المعروضة من خلالها معتركا للاقران ومجالا فسيحا لتباري الأنظار، حتى إن بعض الآخذين ببعض مذاهبها المخالفة لما عليه الأداء في المدرسة المغربية كان يتعصب لها ويحتج بها جاهلا بوجود منادح للخلاف بين المدرستين، مما عبر عنه بعض المتأخرين من مشايخ الشمال المغربي ممن كان مشهودا لهم بالحفظ حين اعترض عليه بعضهم بما ذكره الجعبري، فقال :"أنا الجعبري"(٤).
ولقد غدت الشاطبية منذ وصولها ودخول شروحها محورا لهذا العلم، مما يجعلنا نتسائل كيف كان هذا العلم سيستمر في المشرق والمغرب على المستوى الذي استمر عليه لولا وجود هذه القصيدة وما اقترن بها من شروح وحواش وما كان لها في الجملة من إشعاع وأثر بليغ في مجال الإقراء والتأليف.
(١) - يعني بفتح.
(٢) - ذكره في فرش الحروف بالفجر الساطع.
(٣) - الفجر الساطع باب الإمالة.
(٤) - الإشارة إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد السلام الوليدي (ت ١٣٢٠) من قبيلة أنجرة بنواحي تطوان وقد ساق القصة السيد سعيد أعراب في القراء والمقرئين في المغرب ٢٠٨-٢٠٩.


الصفحة التالية
Icon