إلى مثل هذا السؤدد يمكن أن يرنو نافع ببصره ونظراؤه من الموالي، في الإقبال على الدرس والتحصيل وارتياد مجالس الإقراء وحلقات أماثل العلماء، وقد كان كثير من شيوخه من أئمة القراء بالمدينة من الموالي، وقد رأى بعينه ما يحظون به عند الجمهور من شرف وتكريم واعتبار، جريا على ما أخذه الخلف عن السلف في إكرام أهل القرآن والتجلة الزائدة لهم، ولم يكن ليغض من شأن أحد منهم خمول في نسب أو ولاء، ومن خلال ذلك كان الموالي يحصلون على مزيد من الحظوة حيثما حلوا، وتوكل إليهم مهمات الأمور دون تمييز، وهذا عمر بن الخطاب ينوه بهذا المبدأ حين وجده عند عامله على مكة نافع بن عبد الحارث، فإنه لما ورد عليه المدينة "سأله: من استخلفت على أهل الوادي ـ يعني مكة ـ؟ قال: استخلفت ابن أبزى(١)، قال: من ابن أبزى ؟ قال: رجل من موالينا، قال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، قاص(٢)قال عمر: أما إن نبيكم قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين"(٣).
من هنا كان للموالي في المجتمع المدني في زمن نافع شأن وأي شأن، فبرز منهم في العلم طائفة كبيرة نذكر منهم عكرمة مولى ابن عباس ودرباسا مولاه أيضا ونافعا مولى ابن عمر وأبا جعفر المدني مولى عبد الله بن عياش وجماعة كبيرة من علية علماء الرواية بالمدينة.

(١) - هو عبد الرحمن بن أبزى الكوفي الخز اعي مولاهم، أدرك النبي(ص) وصلى خلفه.- الإصابة لابن حجر ٢/٣٨٩.
(٢) - تصحف اللفظ إلى قاضي بالضاد المعجمة في سنن ابن ماجة، والصحيح قاص، وهو الواعظ المفسر.
(٣) - سنن ابن ماجة ١/٧٨-٧٩ رقم الحديث ٢١٨ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ١٩٧٥.

ويتجلى هذا الأثر بارزا في ميدان الإفراد والجمع بالنسبة للطلاب، فقد رتب الشاطبي في ذلك أسلوبا مقبولا في الجملة كان الأخذ يجري عليه، ثم تجاوزه المتأخرون إلى ما حكاه النوري الصفاقسي في غيث النفع مما ساد وانتشر بديلا للأسلوب الذي انتهجه الشاطبي(١).
١٠- أسلوب الإفراد والجمع عند الإمام الشاطبي :
(١) - ذكره في غيث النفع ٢٩-٣٠ وملخصه أن الطالب يقرأ على الشيخ لقالون أحزابا من أول القرآن ثم لورش كذلك، ثم يجمع لنافع كذلك، ثم المكي ثم البصري ثم يجمع بين الثلاثة كذلك ثم لكل قارئ من الأربعة الباقين كذلك، ثم يجمع للسبعة، وهو لم يصل إلى إتقان القراءة المفردة فضلا عن إتقانها مع الجمع مخالفا لإجماع المتقدمين والمتأخرين.


الصفحة التالية
Icon