لهذه المناقب والمزايا كان عمر يدخره لنفسه بالمدينة ويرى فيه الرصيد العلمي الذي لا يفرط فيه، لهذا كان يضن به كما ضن بأبي قبله، وإن ألحف في طلبه السائلون، روى ابن سعد في طبقاته الكبرى قال: "كان عمر يستخلف زيد بن ثابت في كل سفر يسافره، وكان يفرق الناس في البلدان، ويوجههم في الأمور المهمة، ويطلب إليه الرجال المسمون، فيقال له: زيد بن ثابت، فيقول: لم يسقط علي مكان زيد، ولكن أهل البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدونه عنده(١)فيما يحدث لهم ما لا يجدونه عند غيره"(٢). وإليه وإلى أبي يشير أبو عمرو الداني في أرجوزته "المنبهة على أسماء القراء والرواة" "بقوله:
وزيد ابن ثابت والقاري أبي ابن كعب الأنصاري
هما اللذان أقرآ بالدار بعد النبي المصطفى المختار
...... وأقرآ خلافة الصديق وأقرآ خلافة الفاروق
وأقرآ الصحابة الكراما والتابعين لهم الأعلاما(٣)
ومما ينبغي أن ننبه عليه، أنه لم تكن هنالك فروق جوهرية بين قراءة أبي وقراءة زيد تحول دون تعاونهما في تخريج طبقة واحدة من القراء كانت تأخذ عنهما معا، إذ لم يكن بينهما في القراءة من الخلاف في طريقة الأداء بعض ما كان ملحوظا بين المهاجرين والأنصار، مما ظهرت بوادره بشكل واضح قبل تدوين المصحف الإمام، وفي أثناء هذا التدوين، ولذلك قال عثمان للثلاثة القرشيين(٤)الذين في اللجنة الرباعية: "إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم"(٥).
(٢) - الطبقات الكبرى لابن سعد ٢/٣٥٩-٣٦٠.
(٣) - الأرجوزة المنبهة ستأتي في مؤلفات الداني.
(٤) - هم عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام: صحيح البخاري ٣/٢٢٥.
(٥) - صحيح البخاري ٢/٢٢٤-٢٢٥.
مشيخته : قرأ الإمام القيجاطي على أكابر رجال مشيخة الأندلس في عصره في مختلف علوم الرواية، وقد أجمل ابن الخطيب ذكر أهم رجال مشيخته فذكر أنه قرأ على أبيه ببلده "بسطة" القرءان بالروايات السبع، وجمعها في ختمة، وعلى الأستاذ أبي عبد الله بن مساعد الغساني، وقرأ بغرناطة القرءان على الأستاذ أبي عبد الله بن مسمغور(١)، والأستاذ أبي جعفر بن الطباع، والأستاذ الشهير أبي الحسن بن الضائع، والأستاذ النحوي أبي الحسن الأبذي، وعلى القاضي أبي عمرو بن الرندي، والفقيه القاضي أبي علي بن أبي الأحوص، وعلى الفقيه النسابة أبي جعفر بن مسعدة، والأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير ولقي جماعة غيرهم"(٢).
مكانته وآراء العلماء فيه :
(٢) - الإحاطة ٤/١٠٤-١٠٧.