وذلك أن المشروع العثماني على الصورة التي أنجز بها، والذي شارك فيه على الصحيح كل من أبي وزيد، قد حسم الخلاف الذي كان حول القراءة ببعض الحروف الشاذة عن قراءة الجماعة أو المنسوخ من الآيات، مما كان عمر ينكره أحيانا على أبي ويقول: "أبي أقرؤنا، وانا لندع من لحن أبي"(١)، وفي رواية: "وانا لندع شيئا من قراءة أبي"(٢).

(١) - الصدر نفسه ٣/٢٢٨.
(٢) - -فتح الباري ١٠/٤٢٨ ـ ومسنده أحمد ٥/١١٣.

يعتبر أبو الحسن القيجاطي أحد الأئمة الأفذاذ الذين قاموا على تراث الأئمة واستوعبوه رواية وحفظا وتفقها وإقراء، كما يعتبر في زمنه زعيم مدرسة في الأداء اجتمعت فيها خصائص المدارس الفنية وانتظمت جميعا في طراز فني خاص كان عليه المدار فيه، ف"قصده الناس، وأخذ عنه البعيد والقريب"(١).
ولقد أفاض في الثناء عليه صاحبه لسان الدين ابن الخطيب في غير ما كتاب من كتبه كقوله عنه في "الكتيبة" :
"روض المعارف الذي جعل الله أزاهره الفنون، وثدي الفوائد الذي(٢) أرضعها الآباء والبنون، إلى أن كان فطامها المنون، بدر شهدت هالته الأفق، وبحر صرف إليه الآمل الرفق، قل أن يذكر فن إلا وركض في مجاله، وأخذه عن رجاله، وكان مع الرسوخ والتمكين حالا من التخلق بالمكان المكين، يرسل النادرة شهابا، وينتهب مجالس الأنس انتهابا، ويتحكم في القول إيجازا وإسهابا، خبا بوفاته الكوكب الثاقب، ووريت بمواراته المناقب"(٣).
وقال فيه الحافظ ابن الجزري: "أستاذ ماهر كامل محقق... وذكر مشيخته فقال:
"وقرأ برواية ورش على محمد بن ابراهيم بن الحسن الطائي"(٤).
وأستاذه هذا هو المراد بأبي عبد الله بن مسمغور الآنف الذكر، وكان كما قال فيه صاحبه أبو جعفر بن الزبير "مقرئا متقنا محكما للقرءان، حافظا ضابطا، آخر أهل هذا الشأن بغرناطة والأندلس، إتقانا وضبطا وتجويدا وورعا، لازمته سنين كثيرة"(٥).
(١) - غاية النهاية ١/٥٥٧-٥٥٨.
(٢) - في الأصل "الذي"، والأولى "التي" لأنه سيعيد على الثدي الضمائر بالتأنيث.
(٣) - الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة لابن الخطيب ٣٧-٣٨.
(٤) - غاية النهاية ١/٥٥٧ ترجمة ٢٢٨٠.
(٥) - نقله في نيل الابتهاج ٢٣١.


الصفحة التالية
Icon