وهذا هو تفسير سكوت أئمة القراءات عن إسناد قراءاتهم من طريق زيد وقلة ذكره في كتب الخلاف بين القراء، وإنما يهتمون بما خالف حرفه، وكأنهم في ذلك أجروه مجرى الأصل الذي يقارن غيره إليه.
وهذا المعنى هو المفهوم مما ساقه الإمام الباقلاني في كتاب الانتصار لنقل مصاحف الأمصار في قوله:
"كتب عثمان مصحفه بحرف زيد الذي تضمن جميع الأحرف التي أنزلها الله تعالى، وقرأ بها معاذ وأبي والجمع، وجميع قراءة الأمة بحرف زيد على هذا الجواب السديد ـ الذي هو حرف جميع الأمة، فأما أن يتميز أحد ببعض الحروف قبل كتب مصحف عثمان، فذلك جائز إذا واظب على القراءة به وحث عليه دون غيره، فأما بعد كتب مصحف عثمان فلا ينسب إلى زيد دون غيره، لأنه قد تضمن جميع الوجوه التي أنزلها الله عز وجل.... فأما أبي فقد تظاهرت الأخبار بأن حرفه هو حرف زيد والجماعة، وروى أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ لما نسخ القرآن في المصاحف أرسل إلى أبي بن كعب، فكان يملي على زيد وزيد يكتب، ومعه سعيد بن العاص، فهذا المصحف على قراءة أبي وزيد"(١).
ذلك شأن حرف زيد حينما نجد القول باجتماع العامة عليه، ويشهد لهذا الفهم ما جاء عن سليمان بن يسار أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ـ من أنه سئل عن القراءة التي يقرأ بها أهل المدينة، فقال:
"اجتمع عليها ابن عمر وعثمان وأبي وزيد، وكان زيد أقرأهم عندنا"(٢).
وذكر ابن شبة بسنده عن يوسف بن الماجشون قال: "سمعت أم سهل تقول: لو هلك عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في بعض الزمان، لهلك علم الناس إلى يوم القيامة، لقد جاء على الناس زمان، وما يعلمهم غيرهما"(٣).
وروى عن مالك بن أنس أنه قال: "كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيد بن ثابت ـ يعني بالمدينة"(٤).
(٢) - المصدر نفسه ٣٧٠.
(٣) - تاريخ المدينة المنورة ٣/١٠٦٣.
(٤) - الاستيعاب ١/٥٣٤.
٢- شرحه عليها، وهو مخطوط توجد منه نسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم ٢٤٦٠د في مجموع من ورقة ١٩١ إلى ٢٠١، وهو الشرح الذي ساق منه ابن الجزري قطعة لا بأس بها في النشر(١).
٣- كتاب المقرب النافع : ولعل اسمه الكامل "المقرب النافع في قراءة نافع".
لم يذكره له أحد في ترجمته، إلا أن المنتوري يشير إليه في شرحه على الدرر اللوامع في مواضع، منها قوله عاطفا له على المؤلفين الذين اقتصروا في مؤلفاتهم على ذكر وجه الإدغام في "اركب معنا" و"يلهث ذلك" لقالون :"وعلى الإدغام فيهما اقتصر أبو الطيب بن غلبون في "التذكار" وكتاب الاختلاف بين ورش وقالون"، وابنه أبو الحسن في "التذكرة"، والطلمنكي في تأليفه في قراءة نافع... وأبو الحسن القيجاطي في "المقرب النافع"(٢).
ونظرا لأهمية قصيدته "التكملة المفيدة" في موضوعها وإعطاء صورة عن إمامة ناظمها وبلورة مذاهب مدرسته سنقوم بإثبات نصها الكامل على غرار ما فعلنا مع سلفه أبي الحسن الحصري، مع إعطاء نبذة عن هذه القصيدة تساعد على وضعها في مكانها من هذا الطراز من النظم التعليمي الذي ازدهر في هذا الطور من تاريخ المدرسة المغربية، والذي اقتبس مادته من مؤلفات الأقطاب، وعمل على تقريب مذاهبهم فيها وتهذيبها وتيسيرها للحفظ والاستظهار في هذه المنظومات.
الفصل الثاني:
"التكملة المفيدة لحافظ القصيدة" (تعريف بها).
(٢) - شرح المنتوري لوحة ٢٠١ (باب الإظهار والإدغام).