ولا شك أن مالكا هنا إنما يعني إمامة التصدر والتفرغ للناس، لتوجه الهمم إليه خصوصا بعد موت أبي وانشغال عثمان بأعباء الخلافة، فاستقل زيد بالميدان، وجمع فيه بين ما كان متفرقا في الصحابة بعد ذهاب أكثر المشيخة من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ بالموت والاستشهاد في الوقائع، أو الخروج إلى الأمصار، أو الدخول في السن، فانفرد بإمامة الإقراء، وتخلى عن بعض المهام التي كانت تشغله عن ذلك، "وكان عمر قد عينه كاتبه الخاص"(١)فسلمت له الجماعة، واجتمع الناس بالمدينة على قراءته.
وهذا أبو عبد الرحمن السلمي ـ شيخ عاصم ـ يقول:
"قرأت القرآن على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، وكان عثمان والي أمر الأمة، فقال لي: إنك تشغلني عن النظر في أمور الناس، فأمض إلى زيد، فإنه فارغ لهذا الأمر يجلس فيه الناس، واقرأ عليه، فإن قراءتي وقراءته واحدة، ليس بيني وبينها خلاف، فمضيت إلى زيد فقرأت عليه، فكنت ألقى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فأسأله فيخبرني، ويقول لي: عليك بزيد بن ثابت، فأقمت على زيد ثلاث عشرة سنة، أقرأ عليه فيها القرآن، فعرفت بذلك فضيلة زيد في ضبط القرآن، وإقرار أمير المؤمنين عثمان له بذلك"(٢).
رجال المدرسة المدنية في علوم الرواية من أصحاب أبي وزيد:

(١) - المعارف لابن قتيبة ١١٣.
(٢) - كتاب المباني في نظم المعاني مجهول المؤلف، وهو منشور مع مقدمة تفسير ابن عطية الأندلسي بعنوان مقدمتان في التفسير ٢٥.

بهذا العنوان جاء اسمها عند ابن الجزري في النشر"(١) والقسطلاني في "لطائف الإشارات"(٢) وابن غازي في فهرسته(٣)، ووفقت عليها بهذا العنوان مخطوطة في عدة خزائن(٤) ورأيتها في بعض النسخ بلفظ "لقارئ القصيدة"(٥) وفي بعضها "لذاكر القصيدة".
والقصيدة تكملة لقصيدة الشاطبي، لا على معنى الاستدراك عليه، وإنما أراد تكملة ثقافة القارئ للشاطبية بإحاطته علما بمذاهب الأئمة الثلاثة المخالفين لها، إذ "نظم فيها ما زاد على الشاطبية من "التبصرة" لمكي و"الكافي" لابن شريح"، و"الوجيز" للأهوازي"(٦).
وقد سلك مسلك الشاطبية فجاء بها على وزنها ورويها في مائة بيت، إلا أنه استعمل في الإشارة إلى الشيوخ الثلاثة أحرفا من أسمائهم إلى جانب الرموز الدالة على القراء السبعة ورواتهم، فرمز بالميم المكي، وبالشين للأهوازي، وأما أبو عمرو الداني فقد أشار إلى تكفل الإمام الشاطبي ببيان مذهبه في الحرز.
وقد عني بها طلبة القراءات فتداولوها بالرواية والحفظ والاستعمال، وما تزال بأيدي طلبة القراءات في جنوب المغرب إلى اليوم، وسيأتي ذكر بعض الطرق التي اشتهرت منها رواية عن ناظمها.
وهذه قصيدة القيجاطي كما استقيتها من عدة نسخ مخطوطة أهمها نسخ أوقاف آسفي، وسأحاول إثبات النص منها دون أن أشير إلى ما في بعضها من أخطاء وتحريفات، مع حصر الرموز بين قوسين لتعذر استعمال الألوان التي تستعملها النسخ المخطوطة في بيان ذلك.
(١) - النشر ١/٩٧.
(٢) - لطائف الإشارات ١/٩٨.
(٣) - فهرسة ابن غازي ٩٧.
(٤) - منها بالخزانة العامة بالرباط ٢٤٦٠. ومنها نسخة بخزانة تمكروت في مجموع برقم ١٧٧٥ (دليل مخطوطات الخزانة للأستاذ المنوني ١١١)
(٥) - نسخة للشيخ إبراهيم أبو درار بسوق جمعة أيت داود إقليم الصويرة.
(٦) - النشر ١/٩٧ وكشف الظنون ١/٦٤٩.


الصفحة التالية
Icon