كان تأثير القارئين الكبيرين في القراءة المدنية مشتركا ومتكافئا، واهتمامهما بعلوم القرآن من قراءة وتفسير وفقه متشابها، وقد اقتضى ذلك استئثارهما بالنخبة المهتمة بهذه العلوم على عهد الراشدين، فما من علماء المدينة أو الطراء عليها أحد كان يرى نفسه في غنى عن الأخذ عنهما، واستكمال حصيلته في المعرفة الدينية عليهما، وبذلك اشتركا معا في تكوين الجيل الثاني من الصحابة، والأول من التابعين ابتداء من زمن النبوة، وانتهاء إلى أواخر عهد الراشدين فما بعده بالنسبة لزيد، فكان من أهم رجالهما:
١- عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ وهو حبر الأمة في علم القرآن، المخصوص بدعوته عليه الصلاة والسلام له أن يعلمه الله الكتاب والحكمة، بدأ القراءة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل حفظ "المحكم"، وفي رواية أنه "جمع المفصل في زمن النبي ـ ﷺ ـ(١)، وعرض القرآن على أبي وزيد، وقيل: قرأ على علي أيضا"(٢).
وروى ابن أبي داوود بسنده عن ابن عباس قال: "قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود.."(٣).
(٢) - غاية النهاية ١/٤٢٦ ترجمة ١٧٩١.
(٣) - كتاب المصاحف لابن أبي داود ٦٥ وجاء عن الضحاك بن مزاحم عنه أنه كان يأخذ ثمانية عشر حرفا من قراءة ابن مسعود ـ غاية النهاية ١/٤٢٦.
وأهمية نسخة آسفي التي اعتمدتها أصلا أنها أقدم النسخ، وهي أيضا في مجموع بخط الشيخ المقرئ الراوية المشهور أبي عبد الله محمد بن محمد الرحماني صاحب ابن القاضي.
ويمكن معرفة تاريخ نسخها على التقريب من تاريخ إجازة ابن القاضي لناسخها التي كتبها بخط يده. كما ذكره وأشهد له بصحة ما كتبه فيها وهي مؤرخة بآخر ربيع الثاني من عام ١٠٣٩ بفاس(١).
قصيدة "التكملة المفيدة لحافظ القصيدة":
للشيخ الفقيه الأستاذ المقرئ المحقق أبي الحسن علي بن أبي حفص عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي (ت٧٣٠هـ) رحمه الله تعالى ورضي عنه.
بحمدك يا رحمان أبدأ أولا | لِأُلْفِيَ ذا بال بحمدك أكملا |
وشكر عطاياك التي شكرها هدى | وذكر سجاياك(٢) التي ذكرها علا |
وأزكى صلاة يخجل الروض نفحها | على المصطفى المختار للخلق مرسلا |
محمد المبعوث للنور مطلعا | وللحق منهاجا وللدين مكملا |
وها أنذا آتي بما كان أصله | بـ"حرز الأماني" مهمل الذكر مغفلا |
وأجعل للقراء ما في قصيدة | قد اشتهرت والواو أجعل فيصلا |
وأجعل في شين وميم وهمزة | علامات أشياخ المعالم والعلا |
فميم لمكي وشين شريحهم | وهمزة أهوازيهم وضحت حلا |
وأما أبو عمرو فمذهبه أتى | بـ"حرز الأماني" محكما ومفصلا |
وأجعل للأشياح أحرفهم إذا | أتت أحرف القراء والواو أولا |
وما لم تجد فاعلم بأن جميعه | بوفق أبي عمرو وتيسيره تلا |
باب الاستعاذة والبسملة:
تعوذ بـ"بالله العظيم" لورشهم | (أ)داء لهم عن أهل مصر تنقلا(٣) |
(٢) - في بعض النسخ "وذكر أياديك".
(٣) - قال أبو جعفر بن الباذش في الإقناع ١/١٤٩ :"أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم"، وهي رواية أهل مصر عن ورش فيما ذكر الأهوازي.