لا يستطيع أحد في نظري أن يماري في مجال تفوق المغاربة في حفظ القرآن والعناية البالغة بعلوم القراءة، وإحراز قصب السبق في مضمار الرسم والضبط والمعرفة بوجوه القراءات وطرقها حتى قيل: "ان علم القراءات هو الميدان الوحيد الذي سيطر عليه المغاربة سيطرة تامة"(١)وان المتتبع لتاريخ القراءات في هذه المناطق، والمتصفح لتراجم القراء في كتب الطبقات، لا يخطئه أن يدرك هذه الحقيقة، ولا أن يجدها ماثلة واضحة، وانه ليزداد يقينا بها كلما تقدم وتدرج في الحقب التاريخية، حيث يلاحظ بجلاء استيلاء أئمة القراء في المغرب على الأمد الأقصى في تحقيق القراءات وتحرير الروايات والطرق، والرحلة في طلبها إلى الآفاق، والعكوف عليها بالدرس والتصنيف والتأليف، وتقريبها من الطلاب والمتعلمين بالبسط والتيسير والتعريف نظما ونثرا، إلى الحد الذي استأثر معه أئمتهم لقرون طويلة بمراكز الصدارة، واستحوذوا من خلال مؤلفاتهم فيها وقصائدهم السائرة في كل فرع من فروعها على ميدان القراءة وكراسي الإقراء في المغرب والمشرق على السواء، بل تم لهم ذلك حتى في أعظم المدارس التي تخرجت منها طلائعهم الأولى في الحجاز ومصر والشام وغيرها.

(١) - الدكتور عبد العزيز الأهواني :"كتب برامج العلماء في الأندلس، مجلة معهد المخطوطات مجلد ١/١١٨.

"تلا عليه أبو الحسن بن أبي غالب الداني، وكان مقرئا مجودا، وصنف في القراءات كتابا حسنا سماه بـ"العنوان"(١). وذكر ابن الأبار نحوا من ذلك وقال: روى عن الحصري كتاب "الهادي لابن سفيان" التكملة ٣/١٥١ ترجمة ٣٧٩.
١٣- عيسى بن عبد الرحمن بن عقاب الغافقي أبو الأصبغ القرطبي:
ذكره أيضا في الذيل والتكملة وقال: تلا بالسبع على أبي الحسن الحصري، وأجاز له ونظم إجازته له في قصيدة وهي:
أجزت لعيسى السبع في ختمة قرا علي بها فليرو ذلك وليقر
بما شاء منها أو بها فهو أهله بإتقانه مع ضبطه أحرف الذكر
ثم ذكرها كما تقدم(٢) إلى أن قال:
وصاحبنا السبتي علي بن يخلف وسائر صحبي ناثر العلم كالدر
نظمت له شعرا تضمن ما قرا لخمس ليال قد خلون من الشهر
لشعبان في ست وسبعين حقبة وزد مائتين في اثنتين من الدهر
بذلكم يزهو أبو الأصبغ الذي أجزت، ويدعو الله بالحمد والشكر
علي علا عليا علي علا علا فجل عن الأشباه والشرك والوزر
فيا من تعالى في علو سمائه ويا عالم النجوى ويا كاشف الضر
عيسى بن عقاب من عقابك أنجه وعطفا على أستاذه الحصري الفهري
قال ابن عبد الملك: أنشدتها على شيخنا أبي الحسن الرعيني قال: حدثنا بها أبو القاسم بن الطيلسان قال: أنشدنيها أبو الأصبغ عيسى بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن عقاب بمسجد أم معاوية من قرطبة، قال: أنشدني أبي محمد بن عيسى قال: أنشدني أبي عيسى قال: كتب لي بهذه الإجازة المنظومة عند إكمالي عليه القرآن بالقراءات السبع في ختمة وأنشدنيها المقرئ الإمام أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري رحمه الله"(٣).
١٤- محمد بن إبراهيم بن سعيد بن موسى بن نعم الخلف الرعيني من أهل تطيلة:
(١) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم ٢/٤٤٣ ـ ترجمة ٧٥٨.
(٢) - تقدم ذكرها في الحديث عن شيوخ الحصري ص : ١٢.
(٣) - الذيل والتكملة السفر ٥ القسم ٢/٤٩٨ـ٥٠٠ ترجمة ٩١٣ـ.


الصفحة التالية
Icon