فهؤلاء نحو أربعين رجلا ممن ينتمون إلى مدرسة زيد من أفذاذ علماء المدينة من التابعين، وفيهم عدد من الصحابة، كلهم نهل من هذه المدرسة، وفيهم جماعة جمعوا بين مدرسته ومدرسة أبي وغيرها.
ولا شك أن تفرغ زيد لهذه المهام، وطول تصدره للإقراء، قد أثمر نتاجا أكثر بكثير مما وصفنا، وانما كان اهتمام المؤرخين بذكر من اشتهروا برواية الفقه والحديث، فكان ذكرهم للمذكورين منهم منظورا فيه لهذا الاعتبار، ولا شك أن تصنيف علماء الصدر الأول على حسب الفن الذي اشتهروا فبه، كان كثيرا ما يجحف بالحقيقة العلمية، وذلك بوضع بعض أسماء القراء في قائمة الفقهاء أو المحدثين أو المفسرين أو حتى اللغويين والأدباء، بينما كان التكوين الموسوعي في هذه الميادين كلها أو أكثرها، هو الطابع السائد لدى شخصيات العصر، إذ كانت موضوعات الثقافة الإسلامية لم تتميز بعد، وكان التكوين الموسوعي هو المتحكم في التوجيه العام، ولذلك ربما كان يطلق على العالم يومئذ "الفقيه" أو "القارئ"، فيكون هذا الوصف أوسع دلالة وأعم من مجرد إتقان الفقه والقراءة والعلم بهما، إذ "كان من عرفهم الغالب تسميتهم الفقهاء بالقراء"(١)، باعتبار ما كان عليه التصور العام بأن الفقيه لا يكون إلا قارئا لكتاب الله بالدرجة الأولى، ماهرا فيه حفظا وأداء، عالما في الوقت نفسه بأحكامه وعلومه. وان كان العلامة ابن خلدون يعطي لوصف القارئ عندهم في هذا الطور تعليلا آخر يتصل ببساطة المعرفة، فيقول:
"والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين، ولا دفعوا إليه، ولا دعتهم إليه حاجة، وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين، وكانوا يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله "القراء"، أي: الذين يقرأون الكتاب وليسوا أميين... فقيل لحملة القرآن يومئذ "قراء"، إشارة إلى هذا، فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عن رسول الله"(٢).
(٢) - مقدمة ابن خلدون ٥٤٣.
قال ابن الجزري: شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة... ولد سنة ٧١٠ بغرناطة، وحفظ الموطأ عن ظهر قلب، واشتغل بالعلوم فبرز في النحو والفقه والفرائض والحساب والتفسير، وأخذ القراءات عن القيجاطي، وخرج من الأندلس بعد الثلاثين، فقدم مصر واجتمع بأبي حيان فعظمه كثيرا، ثم قدم حماة فأقام بها وولي بها قضاء المالكية، واشتغل عليه الناس وانتفعوا به كثيرا على لكنة في لسانه، وكنت أتردد إليه وأسمع من فوائده، وأنشدني من حفظه قصيدة القيجاطي، وكان حُفَظَةً، رواها عن الناظم، ومات بالقاهرة سنة سبعين أو ٧٧١"(١).
٥- الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي
قال ابن القاضي: كان أديبا فقيها نحويا، أخذ عن ابن خميس وأبي الحسن القيجاطي، ومات يوم عيد الفطر سنة ٧٤٠"(٢).
ولعله صاحب الكتاب المسمى "جامع المنافع في قراءة نافع"، ينقل عنه الإمام المنتوري في مواضع من شرحه على الدرر اللوامع"(٣).
٦- عبد الله بن عمر الوانغلي أبو محمد الضرير مفتي فاس (ت ٧٧٩)
من أصحاب أبي الحسن بن سليمان الأنصاري شيخ الجماعة بفاس ـ كما سيأتي ـ قال أبو زكرياء السراج: "تلا على الشيخ الأستاذ الصالح الورع أبي الحسن علي بن عمر البلوي الشهير بالقيجاطي بحروف الأئمة الثلاثة نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبي عمرو بن العلاء البصري من طريق الحافظ أبي عمرو الداني.." (٤).
٧- فرج بن قاسم بن أحمد بن لب أبو سعيد التغلبي الغرناطي المشهور بابن لب
(٢) - درة الحجال ١/٢٣٩ ترجمة ٣٥٢.
(٣) - ذكره في باب المد عند ذكر قصر "يواخذ" ـ لوحة ١٠٣ وكذا عند ذكر حروف التفشي في مخارج الحروف ـ لوحة ٤٣٥.
(٤) - فهرسة السراج لوحة ١١٧ المجلد الأول (نسخة مصورة عن مخطوطة الخزانة العامة) بالخزانة الحسنية بالرباط برقم ١٠٩٢٩.