وبهذا يكون جميع من ذكرنا أسماءهم وأمثالهم من أصحاب زيد وأبي وغيرهم ممن يذكرون في عداد الفقهاء والمحدثين ورواة العلم في الجملة، هم بالدرجة الأولى من القراء، إلا أن الواحد منهم كان ينسب بعد القراءة إلى ما غلب عليه، وقد يكون له في القراءة المكان الرفيع لو تفرغ للناس فيها.
ونخلص من هذا إلى النتيجة التي رمينا إليها من سوق تلك الأسماء باعتبارها تمثل طلائع رجال القراءات من التابعين في مدرسة المدينة، وذلك لأن أكثر المذكورين كانوا من المتصدرين في الحلقات العلمية ومجالس الإقراء في طور التكوين من حياة نافع، فيكون قد لقي الكثير منهم وجلس إليهم في القراءة وغيرها، مما يعطينا صورة عن المناخ العلمي الذي قضى فيه نافع هذا الطور من حياته، وكيف كان حافلا بهذه المستويات العالية التي تلقت تكوينها الصحيح في رحاب المسجد النبوي على أيدي أبي وزيد وغيرهما من الصحابة والآخذين عنهم من كبار التابعين.
يضاف هذا إلى إدراكه لبعض الصحابة الأحياء، وإن كان لم يرو عن أحد منهم، مع أنه أدرك منهم جماعة على قيد الحياة، ولذلك عده عامة المترجمين له في الطبقة الثالثة من التابعين(١).
حلقات الاقراء ومجالس العلم في المسجد النبوي في عهد الطلب من حياة نافع:
ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة وقال: "قرأ على الخطيب المقرئ شيخنا أبي الحسن القيجاطي وغيره"(١).
وقال تلميذه الذي يروي عنه بالإجازة أبو زكريا السراج: "كان ـ رحمه الله ـ شيخ الشيوخ، وأستاذ الأستاذين بجزيرة الأندلس ـ أمنها الله تعالى ـ وإليه انتهت فيها الرياسة في الفتوى فكان يفتي في العلوم، وكان أهل زمانه يقفون عند ما يشير إليه. أخذ رحمه الله عن الشيخ الأستاذ المقرئ المتفنن الخطيب أبي الحسن علي بن عمر بن إبراهيم القيجاطي، قرأ عليه القرآن العظيم بالقراءات السبع من طريق الحافظ أبي عمرو الداني وغيره، وعرض عليه جملة كتب، وسمع عليه وقرأ وتفقه عليه كثيرا في أنواع شتى من العلوم، ولازمه مدة طويلة إلى أن مات، وأجاز له إجازة عامة غير مرة في جميع ما يحمله عن جميع شيوخه وفي جميع ما صدر عنه من نظم ونثر، وهو أكبر شيوخه وعليه اعتماده في طريق الإسناد وغيره...
ثم ذكر السراج من شيوخه أبا إسحاق إبراهيم بن أبي العاص التنوخي وأبا جعفر أحمد بن الحسن ابن الزيات، وأبا عبد الله محمد بن جابر القيسي الوادي آشي، ثم قال: كتب إلي بالإجازة العامة من غرناطة المحروسة مرتين في ذي القعدة عام ٧٦٦ والثانية في محرم عام ٧٧٢. مولده في عام ٧٠١ وتوفي في العشر الوسط لذي الحجة من عام ٧٨٢"(٢).
(٢) - فهرسة السراج المجلد ١/لوحة ٣٤٠ـ٣٤٣.