وجدت رقى الشيطان لا تستفزه وقد كان شيطاني من الجن راقيا(١).
وعبر عن مثل هذه الحال أيضا شاعر المدينة عبد الله بن محمد الأنصاري المعروف بـ"الأحوص"(٢)، فقد وفد عليه في جملة الشعراء فحجبه ولم يأذن له، وجاء زيد بن أسلم أبو أسامة المدني مولى عمر بن الخطاب ـ من أصحاب الحلقات العلمية بالمسجد النبوي ـ فأذن له، فقال الأحوص في ذلك مخاطبا عمر:
خليلي أبا حفص، هل أنت مخبري أفي الحق أن أقصى ويدنى ابن أسلما؟
فقال عمر: ذلك الحق"(٣).
وقد أفضت في عرض موقف عمر من الشعراء، لأنوه بهذا التحول الذي خالف فيه عمر سلفه من الخلفاء والأمراء والذي كان لصالح الحركة العلمية بالمدينة على الخصوص في زمن الطلب من حياة نافع الذي نترجم له، فكان ذلك مما يورث شعلة المعرفة بها، ويثري حلقاتها ومجالس العلم بها بالمستويات العالية من العلماء والقراء، إلى الحد الذي ضاقت معه رحاب المسجد النبوي عن استيعابها وتزايد الشعور بالحاجة إلى توسيعه، فكتب الوليد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، وبعث إليه بالمال والصناع، وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان(٤).
وقد كتب لنافع أن يشهد هذا التوسيع وهو في طور الفتوة، ثم عاش حتى أدرك توسيعه مرة أخرى وهو شيخ في أيام الخليفة المهدي بن أبي جعفر لمنصور سنة ١٦٢هـ(٥).
أصحاب الحلقات العلمية بالمسجد النبوي لهذا العهد:
(١) - سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ـ باختصار- ونحوها في الأغاني ٤/٤٠ وما بعدها.
(٢) - شاعر مدني نفاه الوليد إلى اليمن مات سنة ١٠٥. أخباره في الأغاني ١/٥٧-٥٨.
(٣) - الأغاني ٤/٤٩-٥٠ وذكر بعد البيت سبعة أبيات.
(٤) - عيون الأثر ١/٢٣٧ ـ والمعارف ٢٤٥.
(٥) - عيون الأثر ١/٢٣٧-٢٣٨.

وذكر في درة الحجال روايته عن الأستاذ أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي والشيوخ المذكورين معه، وزاد أخذه بتونس عن الأستاذ المقرىء المتفنن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبدالكريم بن جماعة التنوخي المهدوي ومن رواياته عنه كتابه المسمى "تحصيل الكفاية، من الإختلاف الواقع بين "التيسير" و"التبصرة" و"الكافي" و"الهداية"، وهو كتاب نبيل قال: " ورحل إلى تونس ثم عاد منها فتوفي ببونة من بلاد العناب أو بأحوازها في حدود أخريات سنة ٧٢٩ "(١).
١٠- محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (الجد) أو الخطيب أبو عبد الله من تلمسان. امام كثير الشيوخ واسع الرواية، اشتهر في الميدان الفقهي، وله مشاركة في علم القراءات. قرأ عليه الإمام أبو القاسم بن أحمد بن محمد القيرواني الشهير بالبرزلي نزيل تونس (ت ٨٤٤) وروى عنه الشاطبيتين وتكملة القيجاطي والدرر اللوامع لابن بري من روايته للأخيرتين عن مؤلفيهما(٢). توفي بمصر سنة ٧٨١.
١١- محمد بن أبي بكر بن أبي إسحاق ابراهيم بن محمد أبو البركات البلفيقي.
امام راوية كثير الشيوخ من أصحاب أبي الحسن بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل فاس كما سيأتي.
ترجم له أبو زكريا السراج وأفاض في ذكر مشيخته، فذكر منهم ابن رشيد وابن الزبير وأبا الحسن علي بن عمر بن ابراهيم القيجاطي وابن سلمون الكناني وابن أبي العاص التنوخي وأبا عبد الله محمد بن أحمد اللخمي وابن الكماد وابن أبي الأحوص وأبا جعفر بن الزيات الكلاعي وأبا عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي الطنجالي وأبا الحسن بن سليمان القرطبي وأبا الحسن علي بن محمد بن علي بن بري وجماعة (٣).
(١) - درة الحجال ٢/٧٥-٧٦ ترجمة ٥١٨.
(٢) - نيل الابتهاج بهامش الديباج ٢٢٥-٢٢٦. وترجمته.
(٣) - فهرسة السراج المجلد ١/لوحة ٢٦٤-٢٦٨(مخطوطة).


الصفحة التالية
Icon