ولم يكن المسجد النبوي ـ فيما يظهر ـ مقصورا على علم دون آخر من علوم الرواية، ولكنه كان يستوعب العلوم الدينية من قراءة وتفسير وفقه وسيرة وحديث، ولذلك اتسع رواده، وتنامت وتنوعت حلقاته، ويمكن من خلال كتب التراجم معرفة كثير من أصحاب الحلقات به لهذا العهد، فكان منهم:
١- أبو جعفر المدني: يزيد بن القعقاع أكبر شيوخ نافع في القراءة، وكانت له حلقة لإقراء القرآن في الروضة الشريفة على مقربة من القبر النبوي، يدل على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق المسيبي عن أبيه عن نافع بن أبي نعيم قال:
"كان أبو جعفر يقوم الليل، فإذا أصبح جلس يقرئ الناس، فيقع عليه النوم، فيقول لهم: خذوا الحصى فضعوه بين أصابعي، ثم ضموها، فكانوا يفعلون ذلك، وكان النوم يغلبه، فقال: أراني أنام على هذا، فإذا رأيتموني قد نمت فخذوا خصلة من لحيتي فمدوها، قال: فيمر به عبد الله بن عياش مولاه، فيرى ما يفعلون به، فيقول: أيها الشيخ، ذهبت بك الغفلة، فيقول أبو جعفر: إن هذا الشيخ في خلقه شيء، دوروا بنا وراء القبر موضعا لا يرانا"(١).
١٢- محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن أحمد بن حسان القيسي أبو عبد الله الوادي آشي صاحب البرنامج المشهور"، امام مقرئ محدث رحال ثقة مشهور، ولد سنة ٦٧٨هـ، قرأ لنافع على أبي القاسم بن أبي عيسى حماد اللبيدي إلى الكهف، وللثمان على الأستاذ أحمد بن موسى البطرني، وعلى عبد الله بن عبد الحق الدلاصي لنافع وابن كثير إلى أثناء الأنعام، وأحمد بن الحسن بن الزياتي للسبع كاملا، وروى القراءات عن أبيه عن السخاوي، وقرأ التيسير على أحمد بن محمد بن حسين بن الغماز، وطاف البلاد، ودخل أقصى الغرب وأقرأ بمصر والشام"، ذكره ابن الجزري بما تقدم، وذكر جماعة من الآخذين عنه ووفاته سنة ٧٤٩(١).
وذكره في ترجمة أبي الحسن القيجاطي فقال: "روى عنه قصيدته التي زادها على الشاطبية، وهو من أقرانه"(٢).
١٣- محمد بن عبد الله بن محمد الأميي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الصائع بالصاد المهملة والغين المعجمة من أهل المرية. قال في الإحاطة:
"قرأ بالمرية على المكتب أبي عبد الله الميورقي، وأخذ عن شيخ الجماعة أبي الحسن بن أبي العيش، وقرأ بالحضرة على الخطيب أبي الحسن القجاطي وغيره، واخذ بالقاهرة عن الأستاذ أبي الحيان وانتفع به وبجاهه.. ثم ذكر له شعرا كثيرا وذكر وفاته في رمضان من سنة خمس على شك وسبعمائة"(٣).
هكذا في الإحاطة ويظهر أنها محرفة عن ٧٥٠هـ، وفي درة الحجال أنه توفي بالقاهرة سنة ٧٤٨ وقيل ٧٥٠ (٤).
١٤- محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن علي بن أحمد السلماني لسان الدين ابن الخطيب وزير غرناطة وكاتبها وأديبها المشهور (٧١٣– ٧٦٦). نقل عنه المقري في النفح قوله:
(٢) - غاية النهاية ١/٥٥٧-٥٥٨ ترجمة ٢٢٨٠.
(٣) - الإحاطة ٢/٤٣٣-٤٤٢.
(٤) - درة الحجال ٢/٨١ – ٨٢ ترجمة ٥٢٤ وانظر الدرر الكامنة لابن حجر ٣/٤٨٤ وبغية الوعاة ١/١٤٣ ترجمة ٢٣٨