وتمهيدا منا لإعطاء صور زاهية عن هذا التفوق وذلك النبوغ، لاسيما فيما يتصل بقراءة الإمام نافع بن أبي نعيم إمام دار الهجرة النبوية في القراءة، من رواية أبي سعيد عثمان بن سعيد ورش رائد هذه القراءة وحامل لوائها في مصر، نرى من المفيد أن نقدم بين يدي ذلك حديثا موسعا نقف من خلاله على معالم من تاريخ المدرسة القرآنية بالمغرب من أول الفتح الإسلامي لهذه الديار، إلى حين تعرفها على قراءة نافع على أيدي روادها، واعتماد المغاربة لها قراءة رسمية جامعة، وذلك حتى يتأتى لنا بناء هذا البحث بناء تصاعديا نراعي فيه المسار التاريخي الذي سلكته القراءة على امتداد العصور الإسلامية، بقصد وضع هذه القراءة التي اخترنا إدارة هذا البحث حولها في إطارها الزماني والمكاني، باعتبارها القراءة المغربية المختارة من جهة، واعتبارها أيضا إحدى القيم العليا التي تشكل منها الطراز المغربي وتبلور من خلالها إسهامه في بناء الحضارة الإسلامية في هذه الجهات، وهي حضارة تعرضت مع الأسف لكثير من المعوقات حالت بينها وبين الحفاظ على وحدتها وامتداداتها. فضاع جهادها في غمار الفتن الحالكة والعهود المظلمة، ولم يبق منها في بعض الجهات إلا الذكريات، حتى وصفها بعض شعراء المشرق بحق أو بغير حق بقوله:...

"حضارة رقدت فيها السيوف على أغمادها، وأفاقت فوقها الكتب"(١)
وهدفنا من هذا البحث أمران أساسيان:
أحدهما محاولة إبراز مظاهر النبوغ المغربي في هذا الجانب الرفيع من الثقافة الإسلامية، وتقدير مدى إسهام المغاربة في خدمة كتاب الله والتبريز في علومه، والحفاظ عليها عبر العصور إلى اليوم.
(١) - من قصيدة للشاعر عمر أبو ريشة ألقاها في زيارته للمغرب، نشرت بمجلة المناهل المغربية العدد ٤ السنة ٢ نوفمبر ١٩٧٥، مطلعها "دنيا وبين يديها تغرق الحقب". ص ٧.

مقرئ "روى عن أبوي الحسن بن عبد الجليل بن محمد والحصري وأبي الحسين سليمان بن محمد بن الطراوة وأبي داود سليمان بن يحيى وجماعة. قال ابن عبد الملك:
"وكان مقرئا مجودا معتنيا بالعلم صالحا خطيبا فاضلا.. توفي بسبتة"(١).
وقد أسند المنتوري قصيدة الحصري في قراءة نافع من طريقي أبي القاسم خلف بن محمد بن صواب، والخطيب أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن القيسي القيرواني عن ناظمها"(٢).
١٩- محمد بن عبد العزيز اليعمري أبو عبد الله الأندلسي:
قال ابن عبد الملك: "روى عن أبي الحسن الحصري وأبي عمر بن عبد البر، روى عنه أبو العباس بن الصقر(٣)، وكان مقرئا مجودا ماهرا في النحو، ذاكرا للآداب، شاعرا محسنا"(٤).
٢٠- محمد بن أبي سعيد فرج بن عبد الله أبو عبد الله البزاز السرقسطي الأندلسي المعروف بابن أبي سعيد:
قال في التكملة: "لقي بدانية أبا الحسن الحصري وسمع منه بعض منظومه"(٥).
وقال الحافظ السلفي في معجمه: "توفي صديقنا أبو عبد الله محمد بن فرج بن عبد الله الأندلسي المعروف بابن أبي سعيد في شهر رمضان سنة ٥٣٨، وكان من أهل الحديث، سمع ببغداد على نفر من شيوخنا.. ومولده بدانية من مدن الأندلس، قال لي: قرأت بها على أبي الحسن الحصري وآخرين، ومن جملة ما أرويه عن الحصري "المعشرات" التي له، وأنشدني من أولها أبياتا من حفظه"(٦).
٢١- محمد بن مروان بن زهر أبو بكر الاشبيلي:
(١) - الذيل والتكملة السفر ٨ القسم ١/٣١٣ ترجمة ١١٣.
(٢) - فهرسة المنتوري لوحة ١٨.
(٣) - تقدم في مشيخة الإقراء بمراكش.
(٤) - الذيل والتكملة ٦/٣٩٢ ترجمة ١٠٥١.
(٥) - التكملة ١/٤٣٣ـ٤٣٤ ترجمة ١٢٤٠.
(٦) - أخبار وتراجم أندلسية مستخرجة من معجم السفر" ١١٠ـ وله ذكر في نفح الطيب ٢/٣٥٤.


الصفحة التالية
Icon