وثانيهما التعرف على المسار الذي سارت فيه قراءة نافع في الجهات المغربية في زحمة القراءات المأثورة الأخرى، وكيف كانت أحد أهم العوامل التاريخية والحضارية التي ساعدت على تعميق الإحساس بالوحدة الفكرية والمذهبية بين الأقطار والجهات المغربية عبر القرون الماضية، وتوثيق الروابط بين أصقاعها المترامية بصورة مكنتها من الحفاظ على شخصيتها الاعتبارية، والصمود في مواجهة مختلف التيارات المذهبية والفكرية المتعاقبة التي غزتها في مختلف العهود.
ولسنا نعني هنا أننا سنقف على الأحداث السياسية والاجتماعية والتاريخية مؤرخين ومفصلين، وإنما نعني أن تتبعنا لتطور القراءة في المناطق والجهات، يقتضي منا بين الحين والآخر، أن نلم ببعض الأحداث التاريخية التي كان لها إلى جانب أبعادها السياسية والاجتماعية في المناطق المغربية، أبعاد مماثلة في التأثير على حركة الإقراء وتوزيع القراء في الرقعة الفسيحة الممتدة عبر الجهات المغربية في افريقية والأندلس والمغرب الأقصى، ثم في الامتدادات المشرقية بعد ذلك، وخصوصا بعد تداعي الحواضر الأندلسية إلى السقوط وانفراط عقد الوحدة السياسية بين الأقطار المغربية، وسوف نرى أن هذه الأحداث المؤلمة كثيرا ما كانت حافزا للقراء على الهجرة من هذا القطر إلى ذلك، والتنقل عبر البلاد، في ظروف بالغة الحرج في كثير من الأحيان، إلا أن الغريب في الأمر أن ذلك كان كثيرا ما يجري لصالح القراءات، إذ لا يكاد القارئ يغادر بلده، حتى يجد الترحيب الزائد والاستقبال الحفي في غيره، مما يتألق معه نجمه أكثر وأوفر مما كان لو بقي في بلده، وسوف نرى مصداق ما ذكرناه مع طائفة من الأئمة الذين اضطرتهم الفتن والقلاقل إلى النزوح عن ديارهم، كيف أنهم سرعان ما استعاضوا منها المنازل العالية والدرجات الرفيعة في الديار التي احتلوها في البداية مهاجرين ولاجئين.
هو والد بني زهر النجباء منهم ابنه عبد الملك وحفيده أبو العلاء بن زهر، ترجم له عياض في ترتيب المدارك وذكر أنه سمع من ابن القوطية والحصري وجماعة(١).
-٢٢أبو محمد عبد الله بن خلف بن بقي القيسي ويقال البياسي:
أحد أعلام رواية ورش من طريق القيروانيين إمام جليل من أصحاب أبي محمد بن العرجاء، قرأ عليه وعلى أبي القاسم بن الفحام وأبي علي بن بليمة، وقرأ بقرطبة على أبي الحسن بن الدوش وبمرسية على أبي الحسين بن البياز، وأخذ عن الحصري قصيدته.
قال أبو حيان: "وكتب إلي الشريف أبو جعفر أحمد بن يوسف الشروطي ـ أي صاحب الأحكام ـ عن أبي محمد ابن بقي عن الحصري"(٢) يعني بإجازته له بقصيدته في قراءة نافع.
-٢٣نجدة بن سليم بن نجدة الفهري أبو سهل الضرير من أهل قلعة رباح(٣): سكن طليطلة
ذكره ابن الأبار وقال: "روى عن أبي عمرو المقرئ(٤) وأبي محمد الشنتجالي، وتصدر لإقراء القرآن بطليطلة، وجمع شعر أبي الحسن الحصري، حدث عنه أبو الحسن بن دري وغيره، وتوفي بعد سنة ٤٧٥"(٥).
-٢٤أبو عامر التياري:
ذكره المقري في "النفح" ووصفه بالفقيه المقرئ، ثم قال: لقي شيخ القيروان في العربية ابن القزاز، وأديبها الحصري"(٦).

(١) - ترتيب المدارك ٨/٢٨ وله ترجمة في الصلة ٢/٤٨٧ وجذوة المقتبس ١٥٦.
(٢) - نقله ابن الجزري في النشر ١/٩٦.
(٣) - مدينة بالاندلس من عمل جيان وهي بين قرطبة وطليطلة عمرت في بني أمية سنة ٢٤١، ثم احتلها النصارى، وبقيت في أيديهم حتى استردها يعقوب المنصور الموحدي.
يمكن الرجوع في ذلك إلى القسم المنتخب من "الروض المعطار" باسم "صفة جزيرة الأندلس ١٦٣".
(٤) - هو أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الحافظ، وقد ترجمنا له في أصحابه في عدد خاص.
(٥) - التكملة ٢/٧٥٧ـ٧٥٨ ترجمة ١٨٧٧.
(٦) - نفح الطيب ٢/٣١٢.


الصفحة التالية
Icon