وعن يحيى بن أبي كثير(١)قال: "كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: أن أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم للطلب"(٢).
وفيما يخص المدينة أصدر عمر مرسومه الخلافي في سنة ٩٩هـ إلى عامله بالمدينة أبي بكر بن حزم يقول:
"انظر ما كان من حديث رسول الله ـ ﷺ ـ فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي ـ ﷺ ـ... ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا"(٣).
وقد تضمن هذا المرسوم أمرين من الأهمية بمكان: أولهما تعميم التعليم وإجباريته" حتى يعلم من لا يعلم"، وحتى لا يبقى العلم حكرا على فئة من المحظوظين وأبناء الذوات.
وثانيهما الشروع في تدوين السنة النبوية خوفا عليها من الضياع بـ"دروس العلم وذهاب العلماء"، وقد بادر عمر بانتداب الكفاءات العلمية للقيام بهاتين المأموريتين، وجند لذلك كل إمكانيات دولته، فأخذ يوالي إرسال البعثات التعليمية والعلمية إلى مختلف البلدان حتى يحصل كل مصر من الأمصار على حاجته، وتعم الاستفادة كل الجهات حاضرة أو بادية، وقد روى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي غيلان قال "بعث عمر بن عبد العزيز يزيد بن أبي مالك الأشعري الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البدو، وأجرى عليهما رزقا، فأما يزيد فقبل العطاء، وأما الحارث فأبى أن يقبله، وأحب أن يتطوع إلى الله بعمله، فكتب العامل بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: انا لا نعلم بما صنع يزيد بأسا، وأكثر الله فينا مثل الحارث بن يمجد"(٤).

(١) - هو يحيى بن أبي كثير اليمامي أبو نصر من أهل البصرة من تابعي التابعين، يسكن اليمامة، مات سنة ١٢٩ هـ - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ١٩١ ترجمة ١٥٣٧.
(٢) - جامع بيان العلم وفضله ١/١٨٦.
(٣) - صحيح البخاري ١/٣٠.
(٤) - سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ٩٢.

وحدثني أنه أخذ هذه القراءات تلاوة ورواية عن جماعة من الأشياخ ـ رحمهم الله ـ حسبما ذكر في إجازتي تركت ذكرهم وذكر ما قرأ عليهم وأسانيدهم فيها ضيقة الطول، وأذن لي ـ رضي الله عنه ـ أن أحدث عنه بها وبغيرها مما أضرب في الإجازة عن ذكره".
"وأخذت عنه ـ رحمه الله ـ من الكتب ما أذكر: فمنها " كتاب الإقناع" المذكور، تصنيف الإمام العلامة أبي جعفر أحمد بن الباذش، قرأت عليه جميعه تفقها بلفظي، وحدثني به عن الأستاذ النحوي اللغوي أبي عبد الله محمد بن بيبش، عن الأستاذ المحدث أبي جعفر بن الزبير، عن أبي الوليد المسند العطار، عن الخطيب أبي جعفر بن حكم عن أي جعفر بن الباذش" (١).
- والشاطبية الكبرى لأبي القاسم بن فيره، وسمعت جميعها عليه تفقها بقراءة غيري، وحدثني بها عن الخطيب أبي عبد الله اللوشي عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير عن الإمام كمال الدين أبي الحسن بن شجاع عن ناظمها الإمام أبي القاسم.
- " ورجز ابن بري (٢)، قرأت جميعه عليه تفقها بلفظي، وسمعته مرة ثانية تفقها بقراءة غيري، وحدثني به عن الشيخ المسن الرواية أبي الحجاج يوسف بن علي السدوري المكناسي قراءة عليه عن ناظمه سماعا عليه بالجامع الأعظم من مدينة فاس".
(١) - برنامج المجاري ٩٥.
(٢) - يعني الدرر اللوامع في قراءة نافع.


الصفحة التالية
Icon