ولقد مر بنا في الفصل الأول من العدد الأول كيف نالت الجهات المغربية في افريقية والقيروان نصيبها من هذه الرعاية العلمية في زمن عمر بن عبد العزيز وكيف خصها ببعثة إسماعيل بن أبي المهاجر التي تحدثتا آنفا عن رجالها وأهميتها وأثرها في تلك المناطق، حتى قيل ان "الخمر كانت حلالا بافريقية حتى ذلك العهد حتى وصل هؤلاء فبينوا للناس تحريمها"(١).
هذا هو المناخ العلمي الذي نشأ نافع وترعرع في كنفه يتردد على حلقات العلم ومجالسه التي يتبارى فيها رجالات العصر من خلفاء الصحابة في عرض علوم الإسلام والتفقه فيها في رحاب المسجد النبوي، وفي ظلال رعاية الخلفاء، ولا يأخذنا شك في أن نافعا قد جنى من هذه الرعاية العمرية على الخصوص أزكى الثمرات، بما يسرته من هذا التواصل الثقافي والمناخ العلمي، وما فجرته من الطاقات في رحاب هذا المسجد الذي لم يلبث نافع نفسه أن أخذ يطمح ببصره إلى محرابه ومجلسه المنتظر في أكنافه، لاسيما بعد أن تملأ من المعارف والعلوم، ونال في القراءة خاصة وسام الاعتراف من لدن كبار المشايخ وأعلام قراء العصر.
ولا نشك أيضا في أننا أتينا في ما عرضناه على أسماء كثير من مشايخه من أصحاب هذه الحلقات، ممن سمع منهم القراءة، أو روى عنهم الحروف، أو استفاد منهم في علوم الرواية في الجملة، وإن كنا لا نستطيع الجزم بذلك بالنسبة إلى كل فرد فرد منهم، وذلك بسبب غياب الوثائق والأدلة الشاهدة، وإنما قلبا ذلك استنادا إلى معاصرة نافع لأولئك المشايخ، وهو في طور الطلب من حياته العلمية، ولما جاء عن تلميذه أبي قرة موسى بن طارق من قوله:
"قرأت على نافع بن أبي نعيم بالمدينة، وقال نافع: حين قرأت عليه: انه قرأ على سبعين من التابعين"(٢).

(١) - البيان المغرب ١/٤٨.
(٢) - جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي ٢/٤٤٥ – وسير أعلام النبلاء للذهبي ٧/٣٣٦ ترجمة ١٢١.

ثم ذكر سماعه لرجز ابن مالك يعني ألفيته في النحو وذكر سنده بها إلى الناظم، ثم ذكر " التيسير" لأبي عمرو الداني وقال: " سمعت عليه جميعه، وحدثني به عن شيخه الإمام أبي عبد الله البيري(١) عن الأستاذ الغافقي (٢)، عن قدوة النحويين أبي الحسين بن أبي الربيع (٣) عن أبي عبد الله بن خلفون (٤) وعن جماعة غيره، كلهم عن أبي عبد الله محمد بن زرقون(٥) عن أبي عبد الله أحمد الخولاني عن أبي عمرو مؤلفه"(٦).
(١) - هو محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بالبيري بفتح الباء وبابن البيار أيضا توفي سنة ٧٥٣- تقدم.
(٢) - هو أبو إسحاق ابراهيم بن أحمد شيخ القراء والنحاة بسبتة – تقدم.
(٣) - هو عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله نزيل سبتة وإمام النحويين بها في زمنه – تقدم.
(٤) - هو محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي الأونيي أبو عبد الله وأبو بكر، سكن إشبيلية، كان من متقني صناعة الحديث وله فيه مؤلفات كثيرة توفي سنة ٦٣٦ ترجمته في الذيل والتكملة السفر ٦/١٢٨ – ١٣١ ترجمة ٣٢٤.
(٥) - هو محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد أبو عبد الله بن زرقون من أصحاب أبي الحسن شريح بن محمد وهو آخر الرواة عنه توفي سنة ٥٨٦- ترجمته في الذيل والتكملة المجلد ٦/٢٠٣-٢٠٨ ترجمة ٥٩٧.
(٦) - برنامج المجاري ٩٧ – ٩٨.


الصفحة التالية
Icon