وقد آن لنا الآن أن نقف معه على أساتذته في القراءة، ثم نردفهم بمن وقفنا على نسبته إلى الرواية عنهم، ومن وقفنا له منهم على رواية حديث أو خبر يدل على سماع منه أو استفادة في الجملة، ولو كان ذلك يسيرا، لأنه على أي حال يمثل جانبا من التفاعل العلمي والمشاركة الفعلية من نافع في الثقافة العامة، على ما نشكوه من عوز في اهتمام المصادر التاريخية بذلك بالنسبة له، مع ما لبعض تلك الآثار عنه وبعض الروايات من أثر في معرفة اختياره في القراءات والأسس التي كان يبني عليها في اختيار بعض وجوه الأداء، إلى غير ذلك مما سيمر بنا.
ونقف معه فيما يلي على مشاهير مشايخه، ثم نتبعهم بالذين روى عنهم بعض الحروف أو روى عنهم في الجملة.
الفصل الثاني
نافع في حلقات العلماء
وشيوخه في القراءة وعلوم الرواية
إذا كان قد قيل: إن أول ما يذكر من المرء أستاذه، فإن كان جليلا جل قدره، وإنما خفض ذكر محمد بن مقاتل(١)عند أهل العراق أنه لم يعرف له أستاذ جليل القدر"(٢).
فماذا سيقال عن نافع في هذا الشأن؟ وهل كان لنبل مشيخته وشهرة رجاله أثر في ذيوع صيته وانتشار قراءته؟ ذلك ما لا نرتاب فيه، إذ لو لم تكن له عن مثل هؤلاء الرجال رواية، لما زاد على أن يكون قارئا عاديا ككثير من قراء زمنه في بلده وغيره، ممن مروا على الساحة العلمية مرا رفيقا لم يكن له صدى في وقته، ولا خلف فيها أثرا من بعده.
وقد عاش نافع في زمن لم تكن لأهله عناية بكتابة الفهارس والمشيخات وبرامج الروايات، لهذا ضاعت أسماء شيوخه السبعين فلم يعرف منهم إلا قليل من المشاهير، وأهمهم خمسة، وهم الذين سماهم في أسانيد قراءته.
قال أبو بكر بن مجاهد في كتاب السبعة:

(١) - لعل المراد محمد بن مقاتل المروزي أبو الحسن الكسائي يروي عن هشيم وخالد بن عبد الله وطائفة وعن البخاري. الخلاصة للخزرجي ٣٦٠.
(٢) - مفتاح السعادة لطاش كبري زادة ١/٢٠.

ثم ذكر كتبا أخرى رواها عنه منها " جامع البيان في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني قال: سمعت عليه بعضه تفقها، وأجازني جميعه (١)، ومنها "الرسالة لأبي محمد بن أبي زيد القيرواني قال: عرضتها عليه عن ظهر قلب.. ثم ذكر سنده بها عن ابن لب عن أبي الحسن القيجاطي ورفع السند (٢) والجمل للزجاجي، والإيضاح للفارسي، وقوانين امام النحويين أبي الحسين بن أبي الربيع، والفصيح لثعلب، والخزرجية في العروض. لأبي محمد عبد الله بن محمد الخزرجي المالقي، والتلقين في الفقه للقاضي عبدالوهاب بن علي بن نصر البغدادي، وبعض مؤلفاته التي سنذكرها، ثم قال المجاري:
" وأجازني – رحمه الله- أن أحدث عنه بما ذكر وبكل ما يصح عندي أنه في روايته عن جميع شيوخه بأي وجه حمل عنهم ذلك، إجازة عامة بعد التزام الشرط المعروف عند أهل الحديث، وكتب خط يده وأشهد على نفسه بصحة ذلك. لازمته نحو الثلاثين سنة، إلى أن توفي – رحمه الله وجزاه أفضل جزاء – يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الآخر من عام ٨١١ هـ، ودفن بعد العصر من اليوم بعده بباب الفخارين – رحمه الله - (٣).
مروياته من كتب القراءات:
يعتبر الإمام أبو عبد الله القيجاطي (الحفيد) خاتمة أئمة الأندلس في مجال الرواية، وآخر من أنجبتهم البلاد الأندلسية في فقه علوم القراءات ممن وقف على مذاهب الأئمة في مصنفاتهم ودرسها ثم قام بتدريسها لأصحابه فلم يكد يفوته منها كتاب معتبر من الكتب الأمهات المعتمدة في المشرق والمغرب على السواء.
(١) - نفسه ١٠٣.
(٢) - برنامج المجاري ٩٨ – ٩٩.
(٣) - برنامج المجاري ٩٢ - ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon