ولبيان مقام منزلة هؤلاء الشيوخ في القراءة وعلومها نرى من تمام الإفادة أن نقدم تعريفا بكل واحد منهم لنتعرف من خلال ذلك على شيوخه وتلامذته المشهورين وأثره في علوم القراءة، ومقدار استفادة نافع منه، ومبلغ تأثيره فيه، لما لكل ذلك من أهمية في اكتشاف المؤثرات في تكوين نافع في هذا المجال، وتبين الملامح التي خلفها كل شيخ من أولئك في تلميذه، مما انعكست آثاره في مذاهبه واختياراته في القراءة، وتضلعه في غير ما فرع من فروع علوم القراءة كما سنقف عليه بعون الله.
أولا: يزيد بن القعقاع أبو جعفر المدني شيخ قراءة المدينة في زمنه
هذا هو اسمه ونسبه على المشهور(١)، وكان مولى للقارئ الكبير عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ـ الآنف الذكر في مدرسة أبي بن كعب ـ. عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله ابن عباس وأبي هريرة وروى عنهم(٢)، واختلف في قراءته على زيد بن ثابت، قال الأندرابي(٣)"وقيل إن أبا جعفر قرأ على زيد بن ثابت، وسنه تحتمل ذلك"(٤)، وذكر الذهبي مثله وقال: "ولم يصح"(٥)، وقال الأندرابي:
(٢) - الطبقات الكبرى لابن سعد ١٥١-١٥٢ – القسم التابع المتم لذكر تابعي أهل المدينة ترجمة ٦٠. ومثل ذلك في غاية النهاة ٢/٢٨٢-معرفة القراء ١/٥٨ – ووفيات الأعيان ٦/٢٧٤-٢٧٥.
(٣) - هو احمد بن أبي بن أبي عمر المعروف بالأندرابي صاحب الكتاب الآتي.
(٤) - قراءات القراء المعروفين ٤٦.
(٥) - معرفة القراء الكبار ١/٥٩.
ولهذا يعتبر هذا الإمام من القمم الشوامخ التي اختتم بها هذا الطور في البلاد الأندلسية، وذلك إلى جانب تمثيله من الناحية الفنية للمدرسة التوفيقية التي انتظمت داخلها ـ كما أسلفنا ـ جميع المؤثرات المستمدة من مختلف المدارس المشرقية والمغربية، بحكم تأخرها من جهة، واستيعابها لهذا التراث العلمي الزاخر، وتمكنها من القراءة بأكثر اختيارات الأئمة وأشهرها، كما تأتى لرجالها ذلك بدءا من أبي عبد الله بن شريح ـ صاحب الكافي ـ ومرورا بأبي جعفر بن الباذش الغرناطي وانتهاء إلى فحول الرواية وأعلام المدرسة الغرناطية كأبي جعفر بن الزبير وأبي علي بن أبي الأحوص وابن أبي السداد وغيرهم ممن جاء أبو الحسن القيجاطي في مدرسته هذه فبلور اتجاهاتهم ومذاهبهم ونظمها في قصيدة " التكملة" الآنفة الذكر، ثم جاء حفيده أبو عبد الله هذا فحررها وألف فيها واحتج لها وكان في زمنه رائدها وممثلها، إلى الحد الذي أضحت اختياراته فيها مما يحرص طلاب العصر على تلقيه للرواية والقراءة بمضمنه كما سنرى بعون الله بعد التعرف على مؤلفاته.
مؤلفات أبي عبد الله القيجاطي:
لا نملك إحصاء كاملا لمؤلفات أبي عبد الله القيجاطي، كما أنه لم يصلنا منها شيء، وإنما اعتمادنا في ذكر ما سنذكره له من مؤلفات ورسائل على فهارس أصحابه وما ذكره ابن الجزري في كتبه. وهذه عناوينها مع إعطاء نبذة عنها وذكر من سمعها منه أو قرأ بها.
١- تأليف في مخارج الحروف: ذكره له المجاري وقال:" قرأت جميعه عليه تفقها(١).
ولعل منه النقول الكثيرة التي نقلها المنتوري في باب المخارج والصفات من شرحه على الدرر اللوامع.
٢- تأليف في الراء: ذكره له المجاري أيضا في جملة مروياته سماعا منه (٢).
(٢) - نفسه ١٠٤.