أما زمن تصدره للإقراء فيظهر أنه قبل نهاية العقد السادس من المائة الأولى، وفي ذلك ما يدل على قدمه وإمكان إدراكه لزيد بن ثابت وأخذه عنه، لأن وفاة زيد إنما كانت على المشهور سنة ٤٥هـ.
وقيل سنة ٤٨ ـ قال ابن الجزري ـ: وأبعد من قال سنة ٥٥هـ أو سنة ٥٦، بل مات عن ٥٦ سنة"(١).
قال الأندرابي مشيرا إلى قدم تصدره:
"وكان أبو جعفر ـ رحمه الله ـ أول من اختير بعد التابعين، وتصدر للإقراء قبل الحرة، وكان يوم الحرة سنة ثلاث وستين، فكان إمام دار الهجرة بلا منازع والصحابة في الأحياء، وانما صار في الطبقة الأولى من التابعين لأخذه القراءة ممن قرأ على رسول الله ـ ﷺ ـ(٢).
ونقل الذهبي عن سليمان بن عباد أنه قال: "سألت أبا جعفر متى علمت القرآن؟ قال: زمن معاوية"(٣).
وقد نال أبو جعفر في زمنه وبعده منزلة عالية من تقدير الناس وشهادتهم له بالإمامة، كما تدل على ذلك الأخبار الكثيرة الواردة في تزكيته والتنويه به وبقراءته. فقد قال مالك: "كان أبو جعفر رجلا صالحا يقرئ الناس بالمدينة"(٤)، وقال أبو الزناد: "لم يكن أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر، وكان يقدم في زمانه على عبد الرحمن بن هرمز"(٥). وقال يعقوب بن جعفر بن أبي كثير(٦): "كان إمام المسجد بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش.."(٧).

(١) - غاية النهاية ١/٢٩٦ ترجمة ١٣٠٥.
(٢) - قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين ٤٦.
(٣) - معرفة القراء الكبار ١/٥٩.
(٤) - في "معرفة القراء" " يفتي الناس" بدل يقرئ الناس" ولعله تحريف – معرفة القراء ١/٦٠ – وغاية النهاية ٢/٢٨٣.
(٥) - السبعة في القراءات لابن مجاهد ٥٧- وقراءات القراء المعروفين ٤٧ – ومعرفة القراء ١/٥٩.
(٦) - هو أخو إسماعيل بن جعفر الأنصاري، وكلاهما من أصحاب نافع كما سيأتي.
(٧) - قراءات القراء المعروفين للأندرابي ٤٦-٤٧.

٦- كتاب الرد على من منع الصلاة بقراءة " وجنات" بالرفع من قوله في سورة الأنعام :" ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب.."(١).
ذكره له المنتوري في فهرسته وقال: " قرأت جميعه عليه تفقها"(٢).
وهو تأليف مرتبط بحادثة مسجد غرناطة الآنفة الذكر التي أثارتها قراءة بعض الشيوخ هذه الكلمة بالرفع فرد عليه الإمام بالمسجد أبو سعيد بن لب شيخ القيجاطي يريد رده إلى الكسر كما قرأ به السبعة من طرقهم المشهورة.
٧- كتاب شروط القراءة المقبولة المعمول بها ـ قال المنتوري -ـ : ويسمى كتاب " الإيماء للوجوه الدالة على عدم وجوب تواتر القراءات". قال المنتوري في فهرسته.." قرأت جميعه عليه تفقها"(٣).
وهو كتاب مرتبط بالخصومة الآنفة الذكر، وربما كان القيجاطي ممن حضرها، ويبدو أنه ألف الكتابين انتصارا لشيخه أبي سعيد بن لب، فصحح في الأول قراءة من قرأ بالرفع في "وجنات" لثبوتها عن عاصم والأعمش وغيرهما من غير الطرق المشهورة ولصحة تأويلها من جهة المعنى والإعراب.
ولما كانت الحادثة المذكورة قد أثارت مسألة القراءة بغير ما هو معروف عن السبعة لعدم تواتره، انجز البحث إلى تواتر القراءات السبع فذهب أبو سعيد إلى تواترها وألف كتابه الآنف الذكر "فتح الباب ورفع الحجاب بتعقب ما وقع في تواتر القراءات من السؤال والجواب"(٤).
فكان هذا التأليف نتاج هذه الخصومة التي خاضها أبو سعيد بن لب وصاحبه القيجاطي مع كل من أبي علي الرندي من الأندلس وأبي عبد الله بن عرفة من تونس كما نجد صورة مفصلة من ذلك عند صاحب المعيار(٥).
٨- مراتب القراء في المد :
قطعة نظمية قال ابن القاضي في شرحه " الفجر الساطع" في سياق حديثه عن ذلك: " ونظمها القيجاطي فقال:
(١) - سورة الأنعام الآية رقم ٩٩.
(٢) - فهرسة المنتوري لوحة ٢٦
(٣) - المصدر نفسه ٢٦.
(٤) - تقدم ذكره في ترجمته عن قريب.
(٥) - يراجع مبعث الخصومة وأصل الواقعة في العدد الأول من هذا البحث.


الصفحة التالية
Icon