أما رواة قراءته فلا يحيط بهم الحصر، لطول تصدره، واعتماد جمهور أهل بلده فيها عليه، وقد اقتصر المترجمون له على المشهورين منهم: وأهمهم نافع بن أبي نعيم، وسليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وإسماعيل بن جعفر الأنصاري، كما رواها أبناء أبي جعفر الثلاثة: إسماعيل ويعقوب وميمونة، وهي زوج شبية بن نصاح ـ كما سيأتي ـ(١).
واشتهرت في المدينة قبل قراءة نافع، وإنما ترك ابن مجاهد عدها مع القراءات السبع المشهورة، مع أنه صدر لما سيذكره في أول كتابه "السبعة في القراءات" بقوله: "ومخبر عن القراءة التي عليها الناس بالحجاز والعراق والشام"(٢)، لما اعتذر به عنه أبو علي الأهوازي ونقله ابن الجزري بقوله:
"وأما أبو جعفر فلم تقع له روايته، وإلا فهو قد ذكر لأبي جعفر في كتابه "السبعة" من المناقب ما لم يذكره لغيره"(٣).
ويكفي في الدلالة على شهرة قراءته واشتهارها من طريقه في العراق وغيرها.
قال ابن الجزري وقد أسند أبو عبد الله القصاع(٤)قراءة أبي جعفر من رواية نافع عنه في كتابه "المغني" وروينا قراءته عنه في كتاب "الكامل" لأبي القاسم الهذلي، وكذلك أقرأ بها أبو عبد الرحمن قتيبة بن مهران، وقرأ بها على إسماعيل بن جعفر، وصحت عندنا من طريقه، والعجب ممن يطعن في هذه القراءة أو يجعلها من الشواذ، وهي لم يكن بينها وبين غيرها من السبع فرق، كما بيناه في كتابنا المنجد"(٥).

(١) - معرفة القراء الكبار ١/٥٨ ـ غاية النهاية ٢/٣٨٢ ـ٣٨٣ ترجمة ٣٨٨٢.
(٢) - السبعة في القراءات ٤٥.
(٣) - منجد المقرئين لابن الجزري ٧٢.
(٤) - هو محمد بن إسرائيل الدمشقي إمام كبير، تفي سنة ٦٧١ هـ. ترجمته في غاية النهاية ٢/١٠٠.
(٥) - غاية النهاية ٢/٣٨٣.

"المسألة الخامسة : في بيان رواية قالون عن نافع في قوله تعالى " فنعما هي" في حرفين، وقوله " تعدوا" و"يهدي" و"يخصمون"، جاءت النصوص عنه في كتب المتقدمين أنه جمع في تلك المواضع كلها بين ساكنين وهما العين والميم في "نعما" والهاء والدال في " يهدي" والخاء والصاد في " يخصمون"، لأنه لما أدغم الميم في الميم سكنت وقبلها العين ساكنة، وأدغم التاء في الدال من "تعتدوا" و"يهتدي" وفي الصاد من "يختصمون" ولم ينقل حركتها إلى ما قبلها فاجتمع له ساكنان، والجمع بين الساكنين ممنوع عند أكثر النحويين، فكره ذلك قوم من أهل الأداء، فأخذوا في "نعما" بالإخفاء، وفي " تعدوا" و "يهدي" و "يخصمون" بإشمام العين والهاء والخاء شيئا من الفتح فرارا من الجمع بين ساكنين في اللفظ..."(١).
تلك هي التآليف التي وفقت على ذكرها مما تضمن مذاهبه الفنية واختياراته الأدائية، وهي مذاهب واختيارات نحا بها نحو الأئمة الأقطاب في الاستقلال بالرأي والاستدلال له والاحتجاج على صحته بما يسوقه من النقول من أقوال الأئمة المتقدمين من قراء ونحويين. ، وهذه نماذج من اختياراته الأدائية في أصول رواية ورش مما ساقه صاحبه في شرحه على الدرر اللوامع، وقد شحنه بأقواله وآرائه واختياراته بحيث يسهل على الباحث الوقوف على جملتها فيه.
الفصل الخامس :
مظاهر إمامة القيجاطي الحفيد ونماذج من مذاهبه الخاصة واختياراته الأدائية في أصول رواية ورش ومواقف بعض أئمة عصره من بعض تلك المذاهب والاختيارات.
(١) - شرح الدرر اللوامع للمنتوري لوحة ٣٨٧.


الصفحة التالية
Icon