ونقل ابن الجزري عن الحافظ أبي العلاء الهمداني(١)ما يفيد إدراكه لغير واحد من الصحابة واحتمال إقرائه مع أبي جعفر صهره مبكرا، فقال: "هو من قراء التابعين الذين أدركوا أصحاب النبي ـ ﷺ ـ، وأدرك أمي المؤمنين: عائشة وأم سلمة زوجي النبي ـ ﷺ ـ، ودعتا الله أن يعلمه القرآن، وكان ختن أبي جعفر على ابنته ميمونة"(٢).
ومهما يكن فقد كان شبية متصدرا مع أبي جعفر للإقراء بالمدينة، ولعلهما كانا يتناوبان في حلقة واحدة، بدليل ما جاء من أخذ شبية لقراءة أبي جعفر ورجوعه إليها بعد وفاة أبي جعفر(٣).
أما مجرد زواجه بابنة أبي جعفر فلا ينهض وحده دليلا على صغر سنه عن التصدر معه قبل الحرة أي سنة ٦٣هـ، لاسيما إذا صحت قراءته على من تقدم، لأن تزويج أبي جعفر لابنته منه قد يكون مبعثه الإعجاب بشخصه وخلقه ومستواه العلمي، ولعل هذا ما تؤكده بعض أخباره، فقد ساق ابن مجاهد خبرا في ذلك بسنده عن محمد بن اسحاق المسيبي عن أبيه قال:
"زوج أبو جعفر ابنته من شبية بن نصاح، وكان مقلا، فقيل لأبي جعفر: زوجت ابنتك من شبية وهو مقل، وقد كان يرغب فيها سروات الموالي؟ قال: فقال: إن كان شبية مقلا فسيملأ بيتها قرآنا"(٤).
ومن طرائف هذا الزواج الذي تم بين شبية القارئ، وبين ميمونة بنت أبي جعفر، وكانت تروي قراءة أبيها، ما حكاه ابن مجاهد بالسند السابق إلى المسيبي عن نافع قال:
(٢) - غاية النهاية ١/٣٣٠-٣٣١ ترجمة ١٤٣٩.
(٣) - معرفة القراء الكبار ١/٦٥.
(٤) - كتاب السبعة ٥٩.
"وإذا تبين أن الحركة الممالة في الراء تجري مجرى الكسرة بإطراد، تبين أن تفخيم اللام بعدها كتفخيمه بعد الكسرة، ولا وجود لشيء من ذلك في كلام العرب البتة، وفاعل ذلك محرف للتنزيل، وربنا سبحانه يقول :" نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين".
ثم قال يرد على أبي شامة :"وأما ماذكره أبو شامة في شرحه من قوله : والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم، لأن الترقيق لم يغير فتحها ولا ضمها"(١).
ثم أخذ يناقش مخالفة قول أبي شامة للقياس ولأقوال الأئمة وساق منها طرفا، ثم ناقش أيضا أبا حيان وأبا عبد الله بن شريح في الكافي، ثم قال في دعم مذهبه مقررا لما وصل إليه:
"وقد علمت أنه لا يلهج بهذه البراهين والأدلة القاطعة التي أوردتها كل أحد، وإنما يلهج بها من له تمرن في هذه الصناعة ومعرفة بأصولها وأغراضها وتصرفات أهلها ومآخذهم، وتحقق بالشروط التي نص عليها الأئمة المتأخرون من علماء هذه الصنعة استقراء من كلام المتقدمين، وهي أن القراءة لا تصح ولا تقبل إلا بشروط أربعة، وهي : صحة الإسناد، وموافقة فصيح اللغة العربية، وموافقة المصاحف التي بأيدي الأمة، وأن لا يكون معناها مضادا لمعاني القراءات المجمع عليها".
"والقراءة بتفخيم اللام من اسم الله بعد الحركة الممالة غير جارية على كلام العرب، ولا يشهد لصحتها شيء من أصول القراءة، فهي بمعزل عن الصواب، وإذا كانت كذلك فرواية من رواها واهية ساقطة لإحاطة العلم بأن النبئ ـ ﷺ ـ وأصحابه لا يصح نقل اللحن عن واحد منهم، والله الموفق للصواب"(٢).
هذا ملخص ما نقله المنتوري عن القيجاطي في هذه المسألة، وفيها تفاصيل أخرى يمكن الرجوع إليها في هذا الشرح لمن أحب الوقوف عليها.
معارضون للقيجاطي
(٢) - شرح الدرر اللوامع للمنتوري لوحة ٣٣ – ٣٣٤.