"لما تزوج شبية بنت أبي جعفر قال الناس: يولد بينهما مصحف"(١).
وهو خبر فيه إلى جانب خفة الروح، دلالة على مستوى القارئين في القراءة، وشهادة أهل البلد لهما بذلك، وفد شهد لشبية بهذا الشفوف غير واحد من المترجمين له، فقال ابن قتيبة:
"كان شبية إمام أهل المدينة في القراءة في دهره"(٢).
وقال ابن حبان:
"شيبة بن نصاح قاص أهل المدينة(٣)، ممن عني بالقرآن، وكان مواظبا على الورع والدين الصحيح"(٤).
وقال إسماعيل بن جعفر: "قرأت على شبية بن نصاح مولى أم سلمة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة"(٥).
وقال الذهبي: "ثقة قليل الحديث، صدوق، بعيد الصيت في القراءة(٦). "قرأ عليه نافع وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن مسلم بن جماز(٧)، وزوجه ميمونة(٨).
وسواهم من الأعلام، وحدث عنه جماعة ذكرهم الذهبي في ترجمته.
ومن خلال ما جاء في أخباره في كتب التراجم وغيرها يمكن أن نسجل في شأن قراءة نافع عليه، وما كان له من أثر في تكوينه العلمي، العناصر والملاحظات التالية:
أ ـ أنه ثاني أهم أساتذته بعد أبي جعفر المدني.
ب ـ أن أسانيده تلتقي مع أسانيد أبي جعفر، ولا تكاد تختلف عنها.
ج ـ ما جاء في خبر عن قالون صاحب نافع، من أنه "كان أكثر اتباعا لشبية منه لأبي جعفر"(٩).
(٢) - المعا رف لابن قتيبة ٦٠.
(٣) - كذا بالصاد من القصص، وكان يراد به الوعظ والإرشاد، وفي بعض المصادر يأتي "قاضي" من القضاء، وكان شبية قد وليه بالمدينة.
(٤) - مشاهير علماء الأمصار ١٣٠ ترجمة. ١٠٢١
(٥) - معرفة القراء الكبار ١/٦٥.
(٦) - نفس المصدر والصفحة.
(٧) - سيأتي ذكر كل من إسماعيل وابن جماز في الرواة عن نافع.
(٨) - روت القراءة عن ابيها أبي جعفر، ورى القراءة عنها ابنها احمد وثابت "غاية النهاية ٢/٣٢٥ ترجمة ٣٧٠٩ – وذكر ابن الجزري روايتها عن شبية في ترجمته ١/٣٣٠ ترجمة ١٤٣٩.
(٩) - نقله الذهبي في معرفة القراء ١/٦٥.
وقد عارض القيجاطي فيها عدد من أهل زمانه تصريحا أو تلويحا، ولا بأس أن نقف على بعض تلك الردود باقتضاب لنعرف موقف مخالفيه، ونتبين أثره في زمنه.
١- فممن تصدى لمعارضته وخالفه فيما ذهب إليه ممن وفقنا على ذكره: الإمام المقرئ أبو وكيل ميمون الفخار من شيوخ المدرسة الأصولية في قراءة نافع بفاس كما سيأتي، وقد ذكر في تحفته ما عليه القراءة في قوله:
أما الذي تقرأ به فبعدما | فتحة أو ضم لكل فخما |
وإن تكن شكلة راء رققا | كاك لا فرق ففخم مطلقا(١) |
أقول مجيبا موضحا حكما أشكلا | على بعضنا، والله أرجو مؤملا |
وذا الحكم قل لام الجلالة قبله | ترقق راء هل يرق ليعدلا؟ |
وإن رقق المصري راء وبعدها | أتت لام تعظيم ففخم وفصلا |
إذا شكلت بالضم والفتح بعدما | يصح به ترقيق راء ليسهلا |
كذلك "ذكر الله" بالضم لم يزل | كذا الفتح مع ترقيق راء فحصلا |
هما يوجبان اللام تفخيمها ولو | أميلا، حكى هذا أبو شامة العلا |
كذلك نص الجعبري أخو الرضا | لذا شرحه " حرز الأماني" مفصلا |
٢- وممن رد مذهب القيجاطي هذا ولم يرتضه الحافظ ابن الجزري فقال في النشر بعد ذكر طائفة من النقول عن ابن شريح وأبي شامة والجعبري وغيرهم تدل على بقاء التفخيم في اسم الجلالة بعد ترقيق الراء المذكورة:
(٢) - نقلها بتمامها في " الفجر الساطع" في آخر باب اللامات – لوحة ١٢٦ – ١٢٧.