د- أن شبية معدود في جملة علماء السلف الذين عنوا بضبط عدد الآي، وإليه وإلى أبي جعفر ينسب العدد المدني الأول، وبينهما فيه اختلاف يسير ـ كما سيأتي ـ، وقد روى نافع عنهما هذا العدد، وتعرف على ما بينهما من وفاق وخلاف.
هـ- أنه أول من ألف في علم "الوقف"، قال ابن الجزري ـ "وكتابه مشهور"(١).
وسيأتي أنه مهد الطريق بذلك لصاحبه نافع الذي ألف في ذلك أيضا كتابا رواه عنه أصحابه.
وقد اختلف في سنة وفاة شبية، فقال خليفة بن خياط: سنة ١٣٠هـ(٢)وعليه اقتصر الذهبي(٣)وزاد ابن الجزري فقال: "وقيل سنة ١٣٨هـ في أيام المنصور"(٤).
قلت: وهذا القول الأخير أقرب لما تقدم من القول برجوع شبية إلى قراءة أبي جعفر بعد وفاته، وقد رأينا الخلاف حول وفاة أبي جعفر ينحصر بين ١٢٨-١٣٣هـ، ويزيد في تأكيد تأخر وفاة شبية إلى سنة ١٣٨ إن لم يكن أكثر، ما جاء في ترجمة إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري من أخذه القراءة عرضا على شبية بن نصاح(٥).
قال أبو عبيد في كتاب القراءات عند ذكر مصادره في الكتاب:
"وما كان منها من قراءة شبية ونافع، فإنه أخذ عنهما أنفسهما، وقرأ القرآن عليهما"(٦).
وقال ابن الجزري في ترجمة إسماعيل المذكور: "ولد سنة ثلاثين ومائة، وقرأ على شبية بن نصاح"(٧).
ثالثا: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج:
أما ثالث شيوخه في الأهمية فهو أبو داود عبد الرحمن بن داود بن هرمز بن أبي سعد الأعرج المدني المقرئ النحوي مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي.

(١) - غاية النهاية ١/٣٣٠ ترجمة ١٤٣٩.
(٢) - نقله الذهبي في معرفة القراء ١/٦٥.
(٣) - نفس المصدر والصفحة.
(٤) - غاية النهاية ١/٣٣٠.
(٥) - غاية النهاية ١/١٦٣ ترجمة ٧٥٨.
(٦) - نقله الأندرابي في كتاب قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين ٤٤.
(٧) - غاية النهاية ١/١٦٣ ترجمة ٧٥٨.

"وهو مما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الإشارة إليه لظهوره ووضوحه، لولا أن بعض أهل الأداء من أهل عصرنا بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة، فأجرى الراء المرققة في ذلك مجرى الراء الممالة، وبنى أصله على أن الضمة تمال كما تمال الفتحة، لأن سيبويه ـ رحمه الله ـ حكى ذلك في "مذعور" و"السمر" و"المنقر"(١)، واستدل بإطلاقهم على الترقيق إمالة، واستنتج من ذلك ترقيق اللام بعد المرققة، وقطع بأن ذلك هو القياس الذي لا ينبغي أن يخالف، مع اعترافه بأنه لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه، ولكنه شيء ظهر له من جهة النظر فاتبعه لعدم وجود النص بخلافه على ما ادعاه، وذلك كله غير مسلم له ولا موافق عليه.
"فأما ادعاؤه أن الضمة تمال في " مذعور" فإنه غير ما نحن فيه، فإن حركة الضمة التي هي على العين قربت إلى الكسر ولفظ بها كذلك وذلك مشاهد حسا، والضمة التي هي على الراء في " يبشر" لم تقرب إلى الكسرة ولا غيرت من حالتها، ولو غيرت ولفظ بها كما لفظ بـ"مذعور" على لغة من أمال لكان لحنا وغير جائز في القراءة، وإنما التغيير وقع على الراء فقط لا على حركتها، وهذا هو الذي حكاه ابن سفيان وغيره من الراء المضمومة تكون عند ورش بين اللفظين (٢)، فعبروا عن الراء ولم يقولوا إن الضمة تكون بين اللفظين، ومن زعم أن الضمة في ذلك تكون تابعة للراء فهو مكابر في المحسوس".
(١) - ينظر في كتاب سيبويه ٤/ ١٤٢-١٤٣ " باب ما يمال من الحروف التي ليس بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها مكسورة"، وفسر المنقر بأنه :" الركية الكثيرة الماء" يعني القربة.
(٢) - قال ابن سفيان في الهادي لوحة ١٢ عند ذكر الراء المضمومة: " فإن انكسر ما قبلها رقق الراء، وقد عبر الناس عنها بـ"بين اللفظين" مثل " يبصرون" وكانوا يصرون على الحنث وما أشبهه ما لم يكن الراء أول الكلمة".


الصفحة التالية
Icon