وقد أجمل أبو الحسن الفقطي جملة ذلك في ترجمته له بقوله: "قال أهل العلم: انه أول من وضع علم العربية، والسبب في هذا القول أنه أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأظهر هذا العلم بالمدينة، وهو أول من أظهره وتكلم فيه بالمدينة، وكان من أعلم الناس بالنحو وبأنساب قريش، وما أخذ أهل المدينة النحو إلا منه، ولا نقلوه إلا عنه.. ويروى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة ـ رضي الله عنه ـ اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس فمنهم من قال: تردد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل: كان ذلك من علم أصول الدين وما يرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة، والله أعلم"(١).
وأيا كان العلم الذي تردد إليه فيه مالك وغيره، فإن هذا التردد يفيدنا في تقدير مكانته بين مشيخة أهل المدينة في زمنه وما كان له من خصوصية في هذا الشأن، استبد معها بالميدان، وجلس إليه فيه الكبار، ولا نستبعد أن يكون نافع فيمن انتفع به وجلس في حلقته لذلك، كما جلس مالك.
أما المشهورون بأخذ القراءة عنه، فلم تتوسع المصادر في ذكرهم، قال الذهبي: "قرأ عليه القرآن نافع بن أبي نعيم وغيره"(٢).
وقال ابن الجزري: "روى القراءة عنه عرضا نافع بن أبي نعيم، وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد(٣)"(٤)، وحدث عنه نافع وأبو الزناد وابن شهاب الزهري وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن لهيعة وطائفة سواهم"(٥).

(١) - انباه الرواة على أنباه النحاة للفقطي ٢/١٧٢ ترجمة ٣٨٦.
(٢) - معرفة القراء الكبار ١/٦٣.
(٣) - لم يترجم له ابن الجزري في القراء، ذكره الاندرابي في قراء المدينة – قراءة القراء المعروفين ٦٣.
(٤) - غاية النهاية ١/٣٨١ ترجمة ١٦٢٢.
(٥) - معرفة القراء الكبار ١/٦٣.

"فإذا قلنا: إنها رققت بعد الكسرة طلبا للمناسبة، وفرارا مما يؤدي إليه تفخيمها من التنافر والخروج من تسفل إلى تصعد، فهل ترقق بعد الفتحة المنحو بها نحو الكسرة كالفتحة في الراء المرققة نحو قوله تعالى "وإذا ذكر" وشبهه؟ لم أقف في ذلك على نص أحد من الأئمة، غير أنهم نصوا على أن أبا عمرو بن العلاء يرقق اللام في ذلك بعد الفتحة الممالة نحو "نرى الله" حسبما نص عليه ابن القصاب(١) فيما نقلناه من كلامه أول الباب، ونص عليه أيضا الحافظ في المفردة الخاصة بقراءة أبي عمرو، فيجب على هذا أن ترقق من أجل الفتحة المرققة، إذ لا فرق بين فتحة الحرف الممال والحرف المرقق، لأن كل واحدة منهما ينحى بها نحو الكسرة، وقد حدثني بعض الشيوخ عن بعض أهل الأندلس أنه كان يأخذ في ذلك بترقيق اللام والله أعلم بحقيقة ذلك(٢).
قال ابن القاضي في شرحه: "الأندلسي الذي كان يأخذ بالترقيق هو القيجاطي".
ثم قال بعد أن ذكر من اعترض على هذا المذهب: "وبالتفخيم الأخذ عندنا بفاس، وبه قرأنا كما عند الجعبري وأبي شامة والجزري والفخار وغيرهم"(٣).
ذلك موقف طائفة من علماء زمنه وغيرهم من اختياره هذا، أما أصحابه فقد تلقوه عنه بالقبول ودافع عنه المنتوري في شرحه وساق النقول الطويلة عن شيخه في الاحتجاج له.
(١) - هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق الأنصاري نزيل فاس – سيأتي في عدد تال.
(٢) - إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد "باب اللام" لوحة ١٢٤.
(٣) - الفجر الساطع – لوحة ١٢٦ – ١٢٧


الصفحة التالية
Icon