ج- ما جاء من أن الأعرج كان يكتب المصاحف(١)، ومعناه أنه من أول من وطدوا كيفية ضبط المصحف بالمدينة، وربما كان أول من استعمل بها طريقة أبي الأسود الدؤلي التي تعتمد الشكل المدور الذي يكتفى فيه بوضع نقطة فوق الحرف أو تحته أو أمامه للإشارة إلى نوع حركته بالفتح أو الكسر أو الضم على التوالي(٢)، ولعل ابن هرمز هو الذي تمت على يده النقلة من الأسلوب الذي ظهر بالمدينة قبل ذلك إذ كان لهم نمط خاص في استعمال الأصباغ في ضبط المصحف، فتركوه إلى نقط أهل البصرة، وربما كان ذلك على يد تلامذة أبي الأسود ونصر بن عاصم، على ما حكاه أبو عمرو الداني عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني من قوله:
"والنقط لأهل البصرة أخذه الناس كلهم عنهم، حتى أهل المدينة، وكانوا ينقطون على غير هذا النقط، ونقطوا نقط أهل البصرة"(٣).
وسوف نرى بعون الله كيف استفاد نافع من خطوات من تقدموه في هذا المجال، وكيف ضبط عنه بعض تلامذته مصاحفهم على وفاق ما كان يأخذ به في اختياره، مما توارتر به النقل إليه عن مشايخه المعتبرين.
رابعا: مسلم بن جندب الهذلي
ورابع أستاذ مهم لنافع بن أبي نعيم هو أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي مولاهم المدني القاص، "قاص الجماعة بالمدينة(٤)، قال ابن شبة: "كان قاص الجماعة، يقص فيحلق حلقة حول القاسم ولا يدخل معهم في قصصهم"(٥).
وذكر عن مالك بن أنس قال: "عمر بن عبد العزيز رزق قاص الجماعة بالمدينة"(٦).
(٢) - ينظر هذا في كتاب المحكم في نقط مصاحف الأمصار للداني ٦-٧.
(٣) - المحكم ٧.
(٤) تصحف اللفظ إلى "قاضي" "في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٥/٢٥.
(٥) - تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة ١/١٤ – ويعني بالقاسم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
(٦) - المصدر نفسه ١/١٦ – ومعنى رزقه جعل له رزقا معلوما في بيت مال المسلمين.
قال صاحبه أبو عبد الله المنتوري بعد ذكر الأوجه المستعملة بين السور: البسملة والسكت والوصل: وقال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي – رضي الله عنه- :" ويجوز لمن مذهبه من القراء ترك الفصل بالبسملة بين السورتين، أن يوقف له على آخر السورة مع قطع النفس، لأنه لا خلاف في جواز ذلك في المواقف التامة، ولا أتم من آخر السورة – قال- : ومن منع من ذلك واحتج بأن المصنفين للحروف لم يذكروه، فلا حجة له لأن عادة المصنفين للحروف أن يذكروا مواضع الاختلاف، ولا يذكر مواضع الاتفاق".
قال المنتوري :"وبهذا الذي أجاز شيخنا – رحمه الله – فيما ذكره كان يأخذ على أصحابه، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ، ولا يمنع من ذلك من له نظر صحيح"(١).
٣- أخذه بإشباع المد في مثل "آمنوا" و " أوتي" و "إيمانا" موافقا في ذلك مذهب القيروانيين الآنف الذكر، رادا قول أبي عمرو الداني بالتوسط، ومخطئا ابن بري في قوله :"وعن ورش توسط ثبت"، وقول الشاطبي في الحرز.. "ووسطه قوم"، ومنكرا تأول الداني للنصوص عن أصحاب ورش في ذلك.
قال المنتوري:
"وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنهم ـ يأخذ لورش من طريق الداني بالمد المشبع كالمد مع الهمزات إذا تأخرن، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ". وقلت له: تأخذ لورش من طريق الداني بالمد المشبع وهو قد أنكره ورد على من أخذ به؟ (٢) فقال لي:
(٢) - قال الفاسي في اللالىء الفريدة :" ووسطه قوم يعني لورش أيضا وهو الذي ذكر له صاحب التيسير، والتطويل والقصر من زيادات القصيد، ذكر التطويل له مكي وغيره، وذكر القصر له ابن غلبون وأنكر المد".