ومن حديثه عنه ما أخرجه الإمام الطبراني في معجمه الصغير بسنده عن عبد الله بن نافع الصائغ(١). عن نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله ﷺ كان يقصر الصلاة بالعقيق"(٢). قال الطبراني: لم يروه عن نافع بن أبي نعيم إلا عبد الله بن نافع..".
ومن ذلك ما أخرجه الحافظ ابن عبد البر بسنده عن سعيد بن أبي مريم قال: "حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ عن نافع عن ابن عمر أن النبي ـ ﷺ ـ قال: ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"(٣).
وإلى جانب من ذكرنا من شيوخه في القراءة، نجد مجموعة أخرى جلس إلى رجالها، أو انتفع بها في الجملة وربما استعان بها في اختياره في القراءة في توجيه الحروف، أو بيان تأويلها، فمنهم:
رابع عشر: ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، أحد فقهاء المدينة وحفاظها وعلمائها بالأنساب وأيام الناس، وأحد أكابر شيوخ مالك في الفقه والآثار، أدرك من الصحابة أنس بن مالك والسائب بن يزيد.. وكان يحضر مجلسه أربعون معتما"، وقد قدمنا ذكره في أصحاب الحلقات بالمسجد النبوي وكان نافع ممن انتفع بعلمه، وجلس إليه في جملة من جلس من أولئك المعتمين، وقد عده ابن حجر في مشيخته في الرواية(٤).
(٢) - المعجم الصغير للطبراني ٢٧-٢٨.
(٣) - التمهيد لابن عبد البر ٨/١٠٠-١٠١. ورواه ابن ماجة بسنده عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله جعل.. الحديث... إلا أنه قال: "يقل به" عوضا عن "وقبله" – سنن ابن ماجة ١/٤٠ رقم الحديث ١٠٨.
(٤) - تهذيب التهذيب ١٠/٤٠٧.
إذا كانت معظم الجهود في المدارس الإفريقية والأندلسية قد انصبت على إتقان القراءات السبع المشهورة ودراسة الخلاف بين الأئمة والمدارس فيها أصولا وفرشا، فإن جهود الأئمة في المدارس الأدائية في المغرب الأقصى قد اتجهت من النصف الثاني من المائة نافع السابعة وما بعده إلى خدمة قراءة نافعة خاصة، بحيث عكفت على استخلاص قواعدها وكل ما يتعلق بها فأشبعته بحثا وتحقيقا وتمحيصا، وقدمته للطلاب منقحا محررا نظما ونثرا. وقد تبلورت عامة تلك الجهود في خدمة هذه القراءة في شعبتين:
١- شعبة أصول حرف نافع فيما عرف في المدرسة المغربية خاصة ب"العشر الصغير" أو "الجمع الصغير".
٢- شعبة الرسم والضبط المروى عن أهل المدينة والخاص بهذه القراءة.
فكما اتجهوا على دراسة أصول قراءة نافع وتحرير ما وقع فيها من الإختلاف بين الرواة عنه، اتجه منهم طائفة إلى تجريد رسمها وفصله عن الرسم العام الذي تشتمل عليه المصاحف وينتظم جميع القراءات المشهورة، وتعزيز ذلك بقواعد الضبط المحققة للأداء كما تلقاها الأئمة رواية ودراية عن سلفهم ووصفوها في المؤلفات الأمهات المعتمدة.
وقد أعطى هذا الإهتمام الزائد بهذه القراءة أداء ورسما وضبطا للمدرسة المغربية في المغرب الأقصى لهذا العهد طابعها المتميز وشخصيتها العلمية الواضحة السمات كما سوف نرى مظاهر ذلك عند كبار الأئمة الذين أسهموا في قيادتها في أطوارها التاريخية الأربعة التي سنقف عليها بعون الله، والتي مثلت عهود الإزدهار من تاريخ مدرسة الإمام نافع في هذه الجهات.
وسوف نرى أن أعمال أولئك الأئمة لم تكن إعادة إخراج لمؤلفات السابقين، أو مجرد تكريس عليها، وإنما كانت كما سنقف عليها قائمة في مجملها على الدراسة الواعية والتحليل والموازنة والتعليل في ضوء القواعد الكلية والمبادئ العامة والضوابط المعتبرة في هذه العلوم عند أئمة هذا الشأن.