وقد وقفت من حديثه عنه على ما أخرجه الحافظ أبو عمرو الداني بسنده عن عبد الله بن وهب عن نافع بن أبي نعيم قال: "سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن شكل القرآن في المصحف، فقال: لا بأس به"(١).
خامس عشر: مالك بن أنس إمام دار الهجرة في الفقه
تقدم لنا أنه تدبج مع نافع بتبادل المشيخة، فعرض مالك عليه القرآن، وسمع نافع منه الحديث، وروى "الموطأ"(٢)، وربما كان جلوس نافع إليه في أواخر عمره بدليل سماعه منه "الموطأ" وقد ذكروا من تمام حذق مالك في علوم الرواية أنه "ما جلس إلى أحد من شيوخه في علم من العلوم، إلا عاد شيخه فجلس إليه فيه، إلا نافع بن أبي نعيم"(٣).
وفي ذلك ما فيه من الدلالة على ما أحرزه نافع في ميدان القراءة، وما وصل إليه فيها من تبريز، حتى اعترف له مالك ـ كما سيأتي ـ أنه "إمام الناس في القراءة".
ومن الطريف ما نجده من محافظة المغاربة على رواية فقه المذهب المالكي من طريق الإمام نافع، مع وفرة أصحاب مالك المختصين في الرواية عنه، وقد أدرج ابن مخلوف التونسي هذا السند ضمن الأسانيد المعتمدة عند المالكية، من طريق إسماعيل القاضي عن قالون عن نافع المقرئ بسنده(٤).
سادس عشر: عبد الله بن ذكوان أبو الزناد المدني الأموي مولاهم أحد الأئمة في السنن

(١) -المحكم في نقط المصاحف ١٣- وكتب لنقط بذيل المقنع للداني ١٢٥.
(٢) - ترتيب المدارك لعياض ١/٨١ وكذا ٢/١٧٢ – والديباج لابن فرحون ٢٩.
(٣) - نقله السيوطي عن الدولقي – محاضرة الأستاذ إبراهيم صالح الحسيني من نيجيريا المنشورة في أبحاث "ندوة الإمام مالك" ١/١٢٧.
(٤) - شجرة النور الزكية لابن مخلوف ٤٧٣-٤٧٤.

وقد استفادت المدرسة المغربية في هذا الصدد من مدارس الأقطاب عامة ولم تقتصر على مدرسة دون أخرى، إلا أن طابعها العام اعتمادها لاختيارات "المدرسة الاتباعية" عند الأئمة أبي عمرو الداني وصاحبه أبي داود سليمان بن نجاح، وحامل لواء مذاهبهما في المشرق والمغرب أبي القاسم بن فيره الشاطبي، اقتناعا منها بمنهجها العام وائتساء بها في منحاها في اعتماد الرواية الموثقة والتحرير الكامل الشامل لعلوم هذا الشان بالإقتداء بالأئمة الذين ترسموا هذا النهج خلفا عن سلف، وبالغوا في تمحيص آثاره وتحرير رواياته.
وقد برز من رجال هذه المدرسة في التأليف في قراءة نافع ورسمها وضبطها ودراسة الخلاف بين النقلة فيها أعلام خلدوا لنا فيها مجموعة كبيرة من المؤلفات والقصائد والأراجيز ما يزال بعضها معتمدا ومتداولا بين القراء بالمغرب وغيره إلى اليوم، استطاعوا أن يلخصوا فيها أهم مؤلفات أقطاب الأئمة المعتمدين، وأن ييسروا أهمها في قصائد وأراجيز تسهيلا لحفظها، فكانت هذه الأعمال النظمية إلى جانب كتب الأئمة تشكل رصيدا غنيا متكاملا أغنى هذا الميدان وزاد في سعة مجالاته ومباحثه، ثم استمرت المنافسة في النسج على منوال رواد هذه المدارس حتى لا نكاد نجد قارئا متمكنا لم يسهم في هذا الغرض بقصيدة أو تأليف أو شرح أو تقييد، مما تنامى معه تراث المدرسة المغربية بسرعة فائقة يمكن الوقوف على حقيقتها بالرجوع إلى ما بقي لنا من نتاج المائتي سنة: الثامنة والتاسعة وحدهما من قصائد وأراجيز ومؤلفات سنقف على كثير منها فيما نستقبله من أبواب وفصول.


الصفحة التالية
Icon