هؤلاء هم الذين وفقت على أخذه عنهم، من بين شيوخه بين من قرأ عليه القرآن وعرض عليه، وبين من سمع منه القراءة دون عرض، أو من روى عنه حروف القراءة أو غيرها من السنن والآثار، ولا شك أن هذا العدد الذي وقفنا عليه لا يمثل كل الحقيقة، وقد تقدم ما جاء عنه من طريق بعض أصحابه أنه قرأ على سبعين من التابعين، هذا في القراءة، فكيف في غيرها من الفقه والسنن والمغازي والتفسير وغير ذلك مما كان يملأ رحاب المسجد النبوي، ويشكل الثقافة الموسوعية التي كانت يومئذ الطابع العام للعصر.
وقد ذكر الأندرابي أسماء جماعة من أئمة القراءة بالمدينة في عهد الطلب من حياة نافع لا يبعد أن يكون له أخذ عن بعضهم أو استفادة في الجملة، "فقد كان في المدينة في عصره جماعة لم يجتمع اهلها على قراءتهم كاجتماعهم على قراءته، منهم أبو الزناد(١)، وأبو وجزة السعدي(٢)،

(١) - هو عبد الله بن ذكوان تقدم في شيوخ نافع.
(٢) - هو يزيد بن عبيد السعدي أبو وجزة المدني وردت عنه الرواية في حروف القرآن ت سنة ١٣٠. ترجم له ابن الجزري في غاية النهاية ٢/٣٨٢ ترجمة٣٨٧٨. وذكره أبو عمرو الداني في المنبهة عند ذكر قراء الشواذ فقال:
ومنهم من ساكني المدينة... يزيد السعدي ذو السكينة
وهو أبو وجزة أروى الخلق... لخبر مع عفة وصدق

"ففي سنة ٧٢٠هـ أمر أمير المؤمنين أبو سعيد- أيده الله- ببناء مدرسه بحضرته من فاس الجديد، فبنيت أتقن بناء، ورتب فيها الطلبة لقراءة القرءان، والفقهاء لتدريس العلم، وأجرى عليهم المرتبات والمؤونة في كل شهر، وحبس عليها الرباع والمجاشر، كل ذلك ابتغاء وجه الله ورجاء مغفرته(١).
وفي سنة ٧٢١ أمر الأمير الأجل الموفق أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان ابن أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق ـ رضي الله عنه ـ ببناء المدرسة (مدرسه الصهريج) غربي جامع الأندلس بفاس، فبنيت على أتم بناء وأحسنه وأتقنه، وبنى حولها سقاية ودار وضوء، وفندقا لسكنى طلبة العلم... ورتب فيها الفقهاء للتدريس وأسكنها بطلبة العلم وقراء القرءان، وأجرى عليهم الإنفاق والكسوة، وحبس عليها رباعا كثيرة ـ نفعه الله بقصده-
وفي مهل شعبان منها ـ سنة ٢٢ـ أمر أمير المسلمين أبو سعيد عثمان ـ أيده الله ونصره ـ ببناء المدرسة العظيمة بازاء جامع القرويين(مدرسة العطارين)... فجاءت آية في الدهر لم يبن مثلها ملك قبله، وأجرى بها ماء العين الغزير، ورتب فيها الفقهاء لتدريس العلم، وأسكنها بالطلبة، وقدم فيها إماما ومؤذنين وقَوَمَةً يقومون بأمرها، وأجرى على كل المرتبات والمُؤَن، واشترى الأملاك ووفقها عليها احتسابا لله تعالى ورجاء ثوابه(٢).
وأسس أبو سعيد أيضا بفاس "المدرسة المصباحية" المشهورة المنسوبة إلى الفقيه أبي الضياء مصباح بن عبد الله الياصلوتي، لأنه أول من درس بها فسميت باسمه، وتوفي بمدينة فاس سنة ٧٠٥ (٣).
(١) - روض القرطاس ٤١١-٤١٢ والاستقصاء للناصري ٣/١١١.
(٢) - روض القرطاس ٤١١-٤١٢ ومثله في الاستقصاء ٣/١١١/١١٢.
(٣) - جذوة الاقتباس ١/٣٣٦ ترجمة ٣٥٤ ونحوه في سلوه الأنفاس ٢/٥٥-٥٦.


الصفحة التالية
Icon