فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يبعث إلى أهل الولايات بالشام والعراق قائلا: "إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم"(١).
وهذا عامله على البصرة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يشرح لأهل البصرة أسس مأموريته فيقول: "ان أمير المؤمنين بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم وأنظف طرقكم"(٢).
ولم يكن نصيب البلدان المغربية المفتوحة من هذا دون نصيب غيرها من البلدان المفتوحة قبلها، بل ان تأخر فتحها عن معظم البلدان المشرقية قد أعطاها فرصا أقوى للاستفادة من هذه العناية المبذولة، وذلك بسبب تفرغ كثير من فقهاء الصحابة وقرائهم لهذا الأمر، ومشاركتهم الواسعة في الحملات الجهادية التي كانت توجه إلى هذه الجهات، انطلاقا من بلاد مصر التي تم فتحها مبكرا في أواخر خلافة عمر.
وان المتتبع لأخبار هذه الفتوحات في المصادر التاريخية لا يكاد يجد حملة من تلك الحملات التي وجهت نحو إتمام الفتح في جهات افريقية، إلا وجدها تضم جماعة من المعدودين في قراء الصحابة.
ففي أولى هذه الحملات كان عمرو بن العاص رضي الله عنه تمكن بعد إتمام فتح بلاد مصر من الوصول إلى برقة "فصالحه أهلها على الجزية، ثم سار إلى طرابلس فحاصرها وفتحها عنوة"(٣).
وكان عمرو نفسه من المعدودين في القراء، وممن "وردت عنه الرواية في حروف القرآن"(٤).
وفي سنة سبع وعشرين كانت الحملة الثانية على افريقية بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل عثمان ـ رضي الله عنه ـ على مصر، "فغزاها وافتتحها"(٥).

(١) - السياسة الشرعية لابن تيمية ٢٦.
(٢) - حلية الأولياء لأبي نعيم ١/٢٥٧.
(٣) - البيان المغرب لابن عذاري المراكشي ١/٨.
(٤) - غاية النهاية ١/٦٠١ ترجمة ٢٤٥٥
(٥) - البيان المغرب ١/١٤.

قصيدته العصماء في قراءة نافع من روايتي ورش وقالون، وتعرف غالبا "بالقصيدة الحصرية" وبـ"الرائية":
وسنسوق نصها المحقق كاملا لأهميتها وقلتها في أيدي القراء، مع ذكر طرف من العناية بها منذ ظهورها.
٢- كتاب في أصول الأداء لا أدري أجعله في قراءات السبعة، أم خصه بقراءة نافع؟
وقد أشار إليه بنفسه في باب اللامات بقوله في "الرائية":
"وفي "اختلط" و"اغلظ عليهم" و"أخلصوا" وفي "خلطوا" خلف شرحناه في السفر.
٣- منظومة في الرسم: محفوظة بالخزانة الناصرية بتمكروت(١).
٤- لغزه السائر المشهور في لفظ "سوءات":
ونقف معه بصفة خاصة عند لغزه هذا لنرى من خلاله مذهبه الفني في المد، وما أثاره في هذه القضية من أخذ ورد، إذ قل من المؤلفين في القراءات منذ زمنه من تحدث عن المد دون أن يعرض للغزه هذا ويناقش مذهبه فيه شرقا وغربا.
فأما نص هذا اللغز فقد أسنده الحافظ السلفي نزيل الاسكندرية فقال:
"سمعت أبا عبد الله محمد بن الحسن بن سعيد المقرئ الداني(٢) ـ قدم علينا الثغر ـ قال: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك المقرئ(٣) بالأندلس يقول: أملى أبو الحسن الحصري القروي سائلا قراء الأندلس والغرب:
سألتكم يا مقرئي الغرب كله وما لسؤال الحبر عن علمه بد
بحرفين مدوا ذا وما المد أصله وذا لم يمدوه ومن أصله المد
وقد جمعا في كلمة مستبينة على مثلكم تخفى ومن مثلكم تبدو"(٤)
(١) - ذكرها له أستاذنا الباحث محمد المنوني وذكر أنها في مجموع تحت رقم ٣١٤٨ بخط مغربي ـ ) دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت ٢١٤) لمحمد المنوني.
(٢) - هو ابن غلام الفرس تقدم ذكره في أصحاب أبي داود.
(٣) - هو عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع أبو الحسن المريي الأندلسي ـ تقدم ذكره في أصحابه.
(٤) - ورد الشطر الأخير في كنز المعاني للجعبري "على بعضكم تخفى ومن بعضكم تبدو".


الصفحة التالية
Icon