ومنها ما أسنده ابن مجاهد عن الليث بن سعد قال: "حججت سنة عشر ومائة(١)، وإمام الناس بالمدينة في القراءة نافع بن أبي نعيم"(٢).
وأسند عنه من رواية أخرى أنه قدم المدينة سنة عشر ومائة، فوجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع. قال المسيبي: يعني وشيبة يومئذ حي"(٣).
وأسند ابن مجاهد أيضا عن الأصمعي عن رجل قال: "أدركت المدينة سنة مائة، ونافع رئيس القراء بها، وعاش عمرا طويلا"(٤).
وذكر مثل ذلك مكي بن أبي طالب فقال: "أقرأ الناس في مسجد النبي ـ ﷺ ـ قبل سنة مائة من الهجرة"(٥). هذا إلى ما ذكره غير واحد من المؤلفين من كونه "صلى في مسجد النبي ـ ﷺ ـ ستين سنة"(٦).

(١) - قال الذهبي: المحفوظ عن الليث انه قال في سنة ثلاث عشرة – معرفة القراء الكبار ١/٣٠. ويشهد لما ذكره الذهبي ما جاء في كتاب "كرامات أولياء الله" وهو المجلد الخامس في كتاب "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للإمام أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي" في سياق ذكره لكرامات أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المعروف بالصادق حيث أسند خبرا بذلك من طريق عياض ابن أبي طيبة قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت الليث بن مسعد يقول: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ـ كرامات أولياء الله ـ ١٩١.
(٢) - السبعة ٦٢.
(٣) - السبعة ٦٢.
(٤) - السبعة لابن مجاهد ٦٢-٦٣.
(٥) - التبصرة في القراءات لمكي ٤٥-٤٦.
(٦) - قراءات القراء المعروفين للأندرابي ٦٢ ـ وشرح المنتوري على الدر اللوامع (مخطوط).

وبغض النظر عن أثر هذه النكبة وجسامة الخسارة التي مني بها المغرب في المجال العلمي بسببها كما عبر عن ذلك صاحب الفكر السامي في قوله: "وضاعت معهم نفائس الكتب، ورزئ المغرب في أنفس أعلامه وبموتهم ظهر نقصان بين، وفراغ شاسع في عمارة سوق العلم، وبه أصبحت دياره بلاقع، وأقفرت المدارس والجوامع(١). بغض النظر عن هذه الخسارة الجسيمة فإن دلالة وجود مثل هذا العدد الكبير من العلماء والقراء مع الجيش الغازي في حملة عسكرية، ترشدنا إلى مقدار اعتداد هذه الدولة بأولئك الأعلام في إثبات صولتها والإجلاب على منافسيها في السيادة على هذه الجهة من المغرب الكبير الذي كان أبو الحسن يطمح إلى إعادة توحيده تحت ايالة واحدة، دون أن يكتفي بالولاء الظاهري الذي تحدث عنه المؤرخ ابن فضل الله العمري لهذا العهد بقوله: "ونحن وإن ذكرنا إفريقية مستقلة بذاتها، مفردة بسلطان، فإنها في الحقيقة جزء من مملكة "بَرّ العدوة"، صاحب إفريقية فيها كالنائب له"(٢).
وكان من جملة من غرق في هذا الأسطول من كبار قراء العصر الإمام أبو العباس الزواوي صاحب أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي ومعلم أهل دار الخلافة، وكان أبو الحسن كما سيأتي يعارضه القراءات السبع (٣).
(١) - الفكر السامي للحجوي الثعالبي ٢/٢٤٦.
(٢) - مسالك الأبصار ١٢٢.
(٣) - ينظر في ذلك التعريف بابن خلدون ٤٥-٤٦.


الصفحة التالية
Icon