وعلى هذا الأسلوب درج غير واحد من شيوخ نافع، ولعله به أخذ القراءة، وقد جاء عن زميله في القراءة عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما يفيد ذلك من قوله: "كان أبي يقول لعيسى بن وردان: اقرأ على اخوتك كما كان أبو جعفر وشيبة بن نصاح يقرآن على كل رجل، عشر آيات عشر آيات"(١).
وبقي التسنن بنظام العشر شائعا بين القراء، لاسيما في القراءة المتأنية التي يراد بها التمرن على التحقيق وإتقان التجويد، وهذا أبو مزاحم الخاقاني(٢)يقول في قصيدته في التجويد، وهو أول من نظم فيه:
وحكمك بالتحقيق إن كنت آخذا على أحد أن لا تزيد على عشر(٣)
إلا أن من أئمة القراء من كانت تعرض له حالات خاصة تقتضيه أن يتسامح في الزيادة على هذه الحصة، ولذا قال بعض الأئمة: "إن المعتبر في ذلك حال القارئ من القوة والضعف، قال ابن الجزري: وفعله كثير من سلفنا، واعتمد عليه كثير ممن أدركناه"(٤).
وكان في شيوخ نافع من كان يأخذ على أصحابه بحصة زائدة على العشر، فقد كان شيخه مسلم بن جندب مثلا "يأخذ على أصحابه ثلاثين آية صباحا، وثلاثين آية عشية، يقرؤها عليهم ثم يفسرها"(٥).
ولعل هذا الذي كان يفعله ابن جندب إنما يدخل في باب السماع، ولا يدخل في العرض، وربما كان يمهد به فحسب ليجعل الجزء المقروء موضوع حديثه في التفسير في حلقته الصباحية والمسائية، ولكنه على أي حال أحد أساليب الإقراء المتبعة في التحمل كما سيأتي.
(٢) - هو موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي الإمام المجود، قال الداني: كان إماما في قراءة الكسائي وقال ابن الجزري "هو أول من صنف في التجويد فيما أعلم" توفي سنة ٣٢٥. غاية النهاية ٢/٣٢٠.
(٣) - هو من قصيدته في "القراء" المعروفة بالخاقانية، وستأتي بعون الله.
(٤) - منجد المقرئين ٩-١٠ وغيث النفع للنوري ٣٢-٣٣.
(٥) - السبعة لابن مجاهد ٥٩.
ولا يعني هذا أني لم أستفد من الكتاب المذكور أمورا أخرى سأعرضها عظيمة الأهمية في تقويم شخصية، وإنما يعني أني لم أجده يذكر شيئا عن مشيخته مما من شأنه أن يساعد القارئ على إدراك صلاته العلمية بمشيخة العصر وطبقات أهل العلم في الجملة.
ثم فتح الله لي في هذا الشأن بصيصا من نور حينما هداني البحث إلى إجازه: الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد الحسني البوعناني الفاسي لتلميذه أبي عبد الله محمد الشرقي بن محمد بن أبي بكر بن محمد المجاطي (١). فإذا هو يسند القراءات السبع من طريق الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر اللخمي – الآتي في أصحاب أبي الحسن بن سليمان بفاس – من قراءة ابن عمر ابن اللخمي بها على أبي عمران موسى بن محمد بن أحمد الصلحي المرسي الشهير بابن حدادة(٢) قال: "حدثه بالقراءات المذكورةعن الشيخ الفقيه الإمام النحوي الحافل أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن علي بن عبد الحق الأنصاري عرف بابن القصاب، عن شيخه الأستاذ المقرئ أبي الحجاج يوسف ابن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن أبي العيش الأنصاري، عن الشيخين الأستاذين العالمين أبي البقاء يعيش بن القديم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعروف بابن الفتوت رحمه الله تعالى ورضي عنه(٣).
(٢) - سيأتي في أصحاب ابن القصاب.
(٣) - تقدمت ترجمة ابن القديم وابن الفتوت في مشيخة الأقراء بفاس.