ولعل نافعا قد استهوته هذه الحصة التي كان يأخذ بها ابن جندب وأمثاله، فكان يأخذ على أصحابه ثلاثين آية، أي أنه يأذن لكل عارض عليه أن يقرأ ثلاثين آية، ثم يأذن لغيره، ولعله إنما أخذ بهذا النهج نزولا على رغبة العارضين عليه، أو رعاية لحالهم، إذ كانوا ـ كما تدل عليه وقائع العرض في بعض الأخبار ـ من الكثرة بحيث لا يتسع زمن الحصة ليعرض كل واحد منهم على الشيخ ما يشاء، كما لا يتسع أيضا الوقت المخصص ولا القدر المأذون به من القراءة لكل عارض، ليأخذ القرآن كله سماعا أو عرضا مقتصرا على خمس أو عشر حسب النهج القديم، إذ كان انتظار بلوغ الدور في حلقته يحتاج إلى انتظار طويل، فكان أولى إذن أن يخصص لكل عارض قدر معتبر يأخذه عليه الشيخ بمحضر الباقين، فيكون عرضا بالنسبة إليه وسماعا للآخرين، لا سيما مع اعتبار حال الغرباء العارضين عليه من أهل الآفاق، ممن لا تتيح لهم الإقامة المؤقتة بالمدينة أن يقتصروا في الأخذ على خمس أو عشر من الآيات، إذ لا يتاح لهم معه الحصول على العرض الكامل لتمام الرواية ونيل الإجازة بها، ولهذا كان الإمام نافع ربما جرى مع بعض القراء في العرض على نمط خاص لا يتقيد فيه بحصة الثلاثين، رعاية لحال العارض ـ كما سوف نقف عليه في خبر رحلة ورش والطريقة التي سلكها معه في الأخذ عليه.
ولعله رعاية لهذا الحشد الذي كان يلتف على نافع، ولا يدع له الخيار في إيثار من يشاء بالقراءة تجنبا لما قد يثيره من حساسيات بين أبناء المهاجرين والأنصار ممن كانوا يتنافسون في الأخذ عنه، كان بعض الفضلاء من الآخذين عنه من أهل المدينة يحتال للحصول لبعض الغرباء على عرض قدر أكبر ـ كما سوف يمر بنا مع ورش ـ، وذلك عن طريق التنازل للقارئ الضيف عن حصته أو عن جزء منها، ليضيفها إلى حصته حين يأتيه الدور.
أما أبو البقاء يعيش فتحمل عن الشيخ الفقيه القاضي محمد بن زرقون(١) وأبي الحسن علي اللواتي(٢) كلاهما عن أبي العباس الخولاني(٣).
وتحمل – يعيش - أيضا عن الشيخ الحافل الأستاذ المقرئ أبي الحسن علي بن قاسم بن زكرياء(٤) عن شيخه المقرئ أبي عبد الله محمد بن سهل الأموي المعروف بالقشاش(٥)، عن أشياخه الجلة الحفاظ الذين منهم الشيخ الإمام المقرئ الفاضل أبو عبد الله محمد بن عيسى المعروف بالمغامي(٦) عن الإمامين الحافظين أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي.
وتحمل أيضا أبو البقاء يعيش المذكور عن الشيخ الفقيه الأستاذ أبي الحسن علي اللواتي عن الأستاذ المقرئ أبي داود سليمان بن يحيى المعافري(٧) عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم(٨) عن الحافظ أبي عمرو الداني، وعن شيوخ غير هؤلاء المذكورين تركت ذكرهم خيفة التطويل(٩).
(٢) - هو علي بن الحسن بن علي بن الحسين اللواتي الفاسي- تقدمت ترجمته.
(٣) - هو الشيخ الراوية أحمد بن محمد بن عبد الله الخولاني تقدم في أصحاب أبي عمرو الداني.
(٤) - هو أبو الحسن علي بن موسى بن قاسم الشلبي ذكره أبي الأبار في الآخذين عنه –التكملة- ١/٤٣٢ ترجمة ١٢٣٥.
(٥) - كذا في المخطوطة، ولعل الصواب "ابن النقاش" وهو محمد بن أحمد بن محمد بن سهل الأموي من أهل طليطلة ونزل مصر، وتصدر بالجامع العتيق بها للإقراء ترجمته في التكملة: ١/٤٣٢ ترجمة ١٢٣٥.
(٦) - تقدم في أكابر أصحاب أبي عمرو الداني.
(٧) - هو المعروف بأبي داود الصغير تقدم في أصحاب أبي داود سليمان بن نجاح صاحب أبي عمرو الداني.
(٨) - هو ابن نجاح المذكور.
(٩) - إجازة البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي م خ ح رقم ٩٩٧٧.