وكان في الوافدين على نافع لأخذ القرآن عليه من يأتيه مصحوبا بوصية خاصة من بعض معارفه أو قدامى تلامذته، تسهيلا لمهمته في ذلك، كما في خبر معلى بن دحية المصري الآتي أنه قال:
"سافرت برسالة من الليث بن سعد إلى نافع لأقرأ عليه"(١).
وكان الليث ممن قرأ على نافع، ثم طارت له شهرة في بلده بالإمامة في الفقه والحديث، فكان في كتابه بهذه التوصية إلى نافع بتلميذه ما يشعر بمقدار الحاجة يومئذ في حلقة نافع بسبب هذا الازدحام، إلى وسيلة يتاح معها للوافد أن يحصل على حصص راتبة في العرض والأخذ تحقق غرضه، إذ ربما كان فقدانه لمثلها سببا في حرمانه من ذلك، إذا لم يستطع انتظار الدور في العرض، أو لم يقنع في حصته منه بمقدار الثلاثين آية، ولربما كان هذا هو السبب الحقيقي فيما جاء عن الأصمعي عن أبي حنيفة الإمام الكوفي المشهور (ت ١٥٠) أنه "قدم المدينة ليقرأ على نافع، فلم يأخذ عليه"(٢).
إذ لم يكن نافع يستطيع أن يؤثر بعرضه من يشاء من أهل المقامات كما كان يفعل نظراؤه من أئمة القراء مثل ما جاء عن حمزة بن حبيب الزيات إمام أهل الكوفة في القراءة من أنه "كان يقدم الفقهاء أولا، فأول من يقرأ عليه سفيان الثوري"(٣). ومثل ما كان يفعل أبو عبد الرحمن السلمي ثم تلميذه عاصم حيث "كانا يبدآن بأهل السوق حتى لا يحتبسوا عن معايشهم"(٤).
عرض القراءات وأسلوب التلقي التحمل في حلقة نافع:
(٢) - غاية النهاية ١/٣٧٩ ترجمة ١٦١٥.
(٣) - منجد المقرئين ٨.
(٤) - المصدر نفسه ٨.
فسنده كما نرى أندلسي يتصل بالحافظ أبي عمرو الداني من طريق أستاذه أبي الحجاج يوسف بن علي بن أبي العيش الأنصاري عن الإمامين يعيش بن القديم نزيل فاس وصاحب كتاب "الشمس المنيرة في القراءات السبع الشهيرة"(١)، وأبي عبد الله بن الفتوت الفاسي آخر أصحاب أبي عبد الله محمد بن محمد بن معاذ الفلنقي (ت سنة ٦١٤) وفاة سنة ١٤(٢). ومعنى ذلك أنه تخرج في القراءات على أكابر القراء بفاس، وإن كنا لا نعرف من مشيخته غير أبي الحجاج المذكور. مما يتجلى معه مقدار تقصير علمائنا في العناية بتاريخ الرجال وسير العلماء، إلا في النادر اليسير.
آثاره العلمية:
وإن إماما هذا شأنه في نبل المشيخة وزعامة الإقراء لحقيق بأن يخلف في الميدان من الآثار وجلائل الأعمال ما يثلج الصدور ويبهج النفوس، ولا سيما في فن كفن القراءات واسع المجال متعدد الشعب والساحات، إلا أن الباحث سرعان ما يتبين له بالنسبة لأبي عبد الله بن القصاب قلة ما يعزى إليه من مؤلفات، مما يدل مرة أخرى على أن القسط الأكبر من نشاطه العلمي والتأليفي قد أمسى في خبر كان كما يقال، وغطى عليه النسيان والإهمال.
ولقد ظفرت له بعد البحث والاستقصاء بمؤلف واحد، ثم وقفت في هذا المؤلف على ذكر لمؤلف آخر أوسع منه مجالا أحال عليه في باب المدّ منه وسماه:
١- الكتاب الكبير:
وهو كتاب في القراءات أوسع مادة لأنه فيما يبدو –قد ضمنه القراءات وتوجيهها-.
٢- كتاب تقريب المنافع:
(٢) - تقدم التعريف به وبصاحبه أيضا.