تلك هي الطريقة التي كانت متبعة في العرض في حلقة نافع، أما طريقة التحمل التي كان يأخذ بها فالظاهر أنها كانت في مجملها مزيجا من السماع والعرض، إلا أن أكثر السماع فيها إنما يكون سماع قراءة بعض العارضين على الشيخ بمحضره، وأما سماع الشيخ نفسه، فيظهر أنه كان نادرا، إلا أن يكون تصحيحا أو توجيها، والأخبار الكثيرة التي تحكي حوادث مجلسه في الاقراء لا تكاد تذكر قراءة الشيخ إلا نادرا، كبعض الروايات التي نجدها عند الأصمعي أو قالون ـ كما سيأتي ـ مما يقول فيه: "سمعت نافعا يقرأ كذا" ولم أقف على خبر فيه قراءة الشيخ في حلقته، ولعل السماع المذكور إنما كان في إمامة الصلوات، إذ كان كما قدمنا إمام المسجد النبوي.
وأحوال التحمل عند أهل الرواية عديدة منها العرض، ومنها السماع، ومنها الإجازة وغيرها، إلا أن أئمة القراء قد اقتصروا منها على الأول، ونبهوا على أن صحة التحمل لا تكون إلا به، وفي هذا يقول الإمام أبو العباس القسطلاني في لطائف الإشارات:
"أعلم ان التحمل والأخذ عن المشايخ أنواع، منها السماع من لفظ الشيخ، ويحتمل أن يقال به هنا ـ يعني في تحمل القراءة ـ، لأن الصحابة إنما أخذوا القرآن من في رسول الله ـ ﷺ ـ، ولكن لم يأخذ به أحد من القراء، والمنع ظاهر، لأن المقصود هنا كيفية الأداء، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته، بخلاف الحديث، فإن المقصود به المعنى، أو اللفظ لا بالهيئات المعتبرة في أداء القراءة... ومنها قراءة الطالب على الشيخ، وهو أثبت من الأول وأوكد"(١).
أما بعد فإنكم سألتموني –وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه- أن أصنف لكم كتابا يحتوي على ما تضمنه حرف نافع، ويشتمل على "تقريب جميع المنافع"، من غير تطويل ولا تكرار، إذ الغرض في هذا الكتاب المختصر الإيجاز والاختصار، فأجابتكم إلى ما سألتموه، وأعملت نفسي في تصنيف ما رغبتموه، على النحو الذي أردتموه، والله تعالى يوفق للصواب، ويجعله خالصا لوجهه، متلقى بجزيل الثواب، إنه سميع مجيب وهاب.
وبعد هذه المقدمة تطرق إلى أول مباحثه فقال: باب الاستعاذة:
هذا الباب ترد عليه عشرة أسولة (١): فالأول أن يقال: لأي شيء جيء بالاستعاذة في أول الكلام؟ والثاني: أن يقال: ما معنى الاستعاذة ؟ والثالث أن يقال: ما حكم الاستعاذة والرابع: أن يقال: وما هي ألفاظ الاستعاذة والخامس: أن يقال ما المختار منها عند الحذاق من أهل الأداء والسادس أن يقال: وما أصل "أعوذ" والسابع أن يقال : ومن أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو الشيطان والتاسع أن يقال: من أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو "الرجيم"؟ والعاشر: أن يقال: وما مذهب نافع في هذا الباب؟.
ثم أخذ في الإجابة عن كل سؤال على حدة مصدرا لأجوبته بلفظ "مسألة" وما معنى كذا؟ إلى أن استوفى كل المسائل العشر باختصار، ثم انتقل إلى "باب البسملة" فقال:
هذا الباب ترد عليه أسولة: فالأول أن يقال ما معنى البسملة؟ والثاني أن يقال: لأي شيء جيء بها؟ والثالث أن يقال: وما أحوالها عند القراءة؟ والرابع أن يقال: وكم من وجه يتصور فيها بين السورتين ؟ الخامس أن يقال: وأين استحسنها بعضهم؟ والسادس: أن يقال: وما أقسامها ؟ والسابع: أن يقال: من أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو "باسم الله" ؟ والثامن أن يقال: ولم قدم "الله" على "الرحمن الرحيم"؟ التاسع: أن يقال: لم قدم "الرحمن" على "الرحيم"؟ والعاشر: أن يقال: وما مذهب نافع في هذا الباب ؟.