والأحرف السبعة على المختار في تأويلها هي الصورة الإجمالية لأنماط التغاير التي يندرج فيها جميع ما يقع بين القراء من وجوه الاختلاف على تشعبها وكثرتها(١)، وهو اختلاف مشروع يرجع في حقيقته إلى التنوع في كيفية الأداء، ويدخل في باب إعجاز القرآن من حيث ورود اللفظ منه بصورة واحدة في الخط في الغالب، مع احتماله لكثير من الأوجه القرائية، فضلا عن الدلالات المعنوية التي قد تتنوع بتنوع الأداء والأحرف التي يقرأ بها(٢). فالاختلاف في هذا ونحوه إنما هو اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، لأنه يقوم على الرخصة الشرعية في القراءة حسب الأحرف السبعة والأوجه المتواترة والمشهورة الجارية على ألسنة العرب الفصحاء.
وإلى أصل الاختلاف يشير ابن الجزري بقوله:
... وأصل الاختلاف أن ربنا أنزله بسبعة مهونا(٣)

(١) - يمكن الرجوع إلى محاولات بعض الأمثلة لاستيعاب مظاهر الاختلاف بين القراءات في سبعة أنواع من التغاير منها محاولات ابن قتيبة – تأويل مشكل القرآن ٢٨-٢٩ –ومحاولة ابن عطية نقلا عن قاسم بن ثابت السرقسطي صاحب "الدلائل" – المحرر الوجيز ١/٢٢. – ومحاولة الباقلاني – نكت الانتصار ١٢٠-١٢٣ – ومحاولة ابن الجزري – النشر ١/٢٧-٢٨ وينظر القرطبي ١/٣٠ والبرهان للزركشي ١/٢١٤ والإتقان ١/١٣٢.
(٢) - يمكن الرجوع في هذا إلى البرهان للزركشي ١/٣٢٦ والنشر ١/٢٩-٣٠.
(٣) - طيبة النشر لابن الجزري – مجموع إتحاف البررة بالمتون العشرة ١٦٩.

ومن مميزات تقريب المنافع لابن القصاب أسلوبه الطريف في تأليفه، فقد بنى القسم الأصول منه كما رأينا كل باب على عشرة مباحث ولم يخل بذلك، ولا ظهر في مسائله شيء من الافتعال والتكلف، مما يدل على سعة أفقه في الفن واستيعابه لأحكامه وقضاياه. وقد حاول محاكاته في هذا الأسلوب التأليفي جماعة ممن ألفوا بعده في القراءة والرسم كما نجد ذلك في كتب الشوشاوي الذي التزم بعشرين تنبيها في كل باب(١)، كما نحا نحوه يحيى بن سعيد الكرامي السملالي في تحصيل المنافع فسار على نفس النمط حتى ظن بعض من حققوا هذه الكتب أن السبق في هذا الوضع التأليفي البديع لأولئك المؤلفين(٢).
ولم يقتصر أثر ابن القصاب فيمن جاء بعده من الأئمة على مجاراته في التسمية أو نمط التأليف، بل تعداه إلى الاعتماد عليه فيما ضمنه الكتاب من مواد وتخريجات واختيارات، وكان النقل عنه مستفيضا عند عامة المؤلفين بعده من أصحابه كابن آجروم في "فرائد المعاني" والخراز في "القصد النافع"، وعند ابن المجراد في كثير من أبواب "إيضاح الأسرار والبدائع"، وعند المنتوري في الأندلس في شرحه على الدرر اللوامع، ثم عند عامة من شرحوها كالحلفاوي، والوارثيني والكرامي والشوشاوي وابن القاضي ومسعود جموع وسواهم.
نماذج من آرائه العلمية ومذاهبه الفنية في القراءة وأصولها وأحكامها:
(١) - فعل ذلك في كتبه الثلاثة "الأنوار السواطع على الدرر اللوامع "، وتنبيه العطشان على مورد الظمآن، والفوائد الجميلة على الآيات الجليلة "حيث بناها على "عشرين تنبيها" في كل باب.
(٢) - يمكن الرجوع إلى مقدمة تحقيق "الفوائد الجميلة للأستاذ عزوزي= إدريس- ومقدمة تحقيق "تحصيل المنافع" للأستاذ طالبون الحسن عند ذكرهما لأسلوب التأليف عند المؤلفين.


الصفحة التالية
Icon