"أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى الأمصار: أما بعد فإن نفرا من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافا شديدا، فقال بعضهم: قرأت على أبي الدرداء، وقال بعضهم: قرأت حرف عبد الله بن مسعود، وقال بعضهم: قرأت حرف عبد الله بن قيس(١)فلما سمعت اختلافهم في القراءة، والعهد برسول الله ـ ﷺ ـ حديث، رأيت أمرا منكرا، فأشفقت على هذه الأمة من اختلافهم في القرآن، وخشيت أن يختلفوا في دينهم بعد ذهاب من بقي من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ الذين قرأوا القرآن على عهده وسمعوه من فيه، كما اختلفت النصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى بن مريم، فأرسلت إلى عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أن ترسل إلي الأدم(٢)الذي فيه القرآن الذي كتب عن فم رسول الله ـ ﷺ ـ حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذ القرآن غض، فأمرت زيد بن ثابت أن يقوم على ذلك، ولم أفرغ لذلك من أجل أمور الناس والقضاء بين الناس، وكان زيد بن ثابت أحفظنا للقرآن، ثم دعوت نفرا من كتاب أهل المدينة وذوي عقولهم، منهم نافع بن طريف وعبد الله بن الوليد الخزاعي وعبد الرحمن بن أبي لبابة(٣)، فأمرتهم أن ينسخوا من ذلك الأدم أربعة مصاحف، وأن يتحفظوا"(٤).
(٢) - الادم: جمع أديم وهو بفتحتين، والمراد به الجلد المكتوب فيه – المختار من صحاح اللغة ٢١٠.
(٣) - نافع بن طريف ـ كذا ـ ولعل الاصح نافع بن ظريب، ذكره ابن دريد في كتاب الاشتقاق ٦٩ وقال نافع ابن ظريب بن عمرو بن نوفل من بني نوفل بن عبد مناف، هو الذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب". أما صاحباه فلم أقف عليهما، وهما على كل حال غير اللجنة الرباعية، التي عهد إليها عثمان برئاسة زيد.
(٤) - تاريخ المدينة المنورة لابن شبة ٣/٩٩٧-٩٩٨.
قال ابن المجراد: "كان الأستاذ ابن القصاب ـ رحمه الله ـ يأخذ فيه بالفصل ويستحسنه ويرى أنه أولى ليجري الباب كله على نسق واحد"(١).
قال العلامة مسعود جموع: وبالإدخال شاع الأخذ عندنا بفاس في "الجمع الكبير"، وعليه العمل كما أخذ به أبو عبد الله الخراز وشيخه القصاب(٢)، وهو المشهور عن جماعة من شراح الدرر، ولم يحك ابن الجزري فيه إلا الفصل(٣)
٤- ما ذهب إليه في الاحتجاج لورش في إمالته بين اللفظين:
قال في تقريب المنافع بعد تعرضه لمذهب ورش في إيثاره التقليل في الإمالة: والحجة في ذلك أنه لم يمل لئلا يخرج الحرف عن أصله، ولم يفتح لقوة الموجب، فتوسط في ذلك(٤).
٥- ومن بديع كلامه في المخارج والصفات قوله في التقريب:
"والشدة من علامة قوة الحرف، فإن كان مع الشدة جهر واستعلاء وإطباق فذلك غاية القوة في الحرف، لأن كل واحد من هذه الصفات تدل على القوة، فإذا اجتمع اثنان من هذه الصفات في الحرف أو أكثر فهي في غاية القوة، كالطاء، فعلى قدر ما في الحرف من الصفات القوية كذلك قوته، وعلى قدر ما فيه من الصفات الضعيفة فكذلك، فافهم هذا لتعطي كل حرف في قراءتك حظه من القوة، ولتتحفظ في بيان الضعيف، فالجهر والشدة والصفير والإطباق والاستعلاء من علامات قوة الحرف، والهمس والرخاوة من علامات ضعف الحرف(٥).
٦- ومن ذلك قوله في الرد على من يدخل التاء بدل الباء في حروف القلقلة:
(٢) - كذا في المخطوطة، والمعروف ابن القصاب.
(٣) - الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع –ذكره في باب الهمز عند ذكر "أ أشهدوا خلقهم".
(٤) - نقله في الروض الجامع في باب الإمالة.
(٥) -تقريب المنافع –ونقله ابن المجراد في إيضاح الأسرار والبدائع "عند قول ابن بري :"فالهمس في عشرة منها أتى".