وقد استمر الفتح في اتجاه الجهات الداخلية من المغرب إلى زمن معاوية رضي الله عنه، حيث عقد لعقبة بن نافع على المغرب سنة خمسين من الهجرة"(١)، فتوغل في الفتح لإتمام ما تبقى من الجيوب والمعاقل المنيعة وقد ذكروا أنه وصل إلى افريقية في عشرة آلاف من المسلمين، وكان في عسكره ثمانية عشر من الصحابة(٢)، وربما تزايد هذا العدد بعد ذلك إذ ذكر أبو العرب عن بعض المحدثين أن عقبة بن نافع لما دخلها كان معه خمسة وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(٣). ولا شك أن المناطق المغربية قد استفادت استفادة جلى من دخول هذا الحشد من الصحابة ومن معهم من التابعين فيما يخص الإرشاد والتعليم إلى جانب وظائف الإمامة في الصلاة وغير ذلك، وقد اهتمت المصادر التاريخية التي اهتمت بهذه الحقبة بذكر أسماء مشاهير من دخل المغرب من الصحابة والتابعين يمكن الرجوع إلى قوائمهم في تلك المصادر المطولة(٤).
ولا شك أن قسما كبيرا من هذا العدد قد أطال المقام بهذه الجهات حتى أخذ عنه، وفيهم من أدركته الوفاة في بعضها على نحو ما يذكرون عن المنيذر الافريقي رضي الله عنه الذي أقام بافريقية حتى غلب عليه هذا الاسم، وعاش بها حتى شهد فتح الأندلس بعد التسعين من الهجرة وربما دفن في بعض مدنها(٥).

(١) - البيان المغرب لابن عذاري ١/١٩.
(٢) - الاستقصاء للناصري ١/٨٥.
(٣) - طبقات علماء افريقية لأبي العرب ص ١٧.
(٤) - يمكن الرجوع في ذلك إلى رياض النفوس للمالكي ١/٦٠-٩٨ والاستقصاء للناصري ١/٨٥-٨٩ والمعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي ص ٢٦، وشجرة النور الزكية لابن مخلوف التونسي التتمة الملحقة بالكتاب ٨٧.
(٥) - تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية والنصوص التاريخية الملحقة به ص ٢٠١-٢٠٢، وانظر مناقشة المقري لدخول المنيذر الافريقي إلى الأندلس في كتابه نفح الطيب ٤/٤-٥.

وهذيل تجمعه كالصحيح ولا تعله"(١).
وقد حكى الحصري نفسه الخلاف في لفظ "سوءة" واختار افراط المد يعني الإشباع، وفي ذلك يقول في رائيته: فقال أناس: مده متوسط... وقال أناس: مفرط، وبه أقري
وفي مد "عين" ثم "شيء" و"سوءة" خلاف جرى بين الأئمة في مصر
ثم عاد فاستثنى ما كان منها بصيغة الجمع فقال:
وخالف في "الموؤدة" الأصل عنده وفي واو "سوءات" وفي "موئلا" فادر
فقوله في لغزه بها ان ورشا مد الألف، وليس من أصله المد، وقصر الواو، ومن أصله فيها المد هو مبني على مذهب مدرسته واختيارات أكثر أئمتها ومن وافقهم، ولهذا ذكرها أبو القسم الشاطبي فذكر فيها الخلاف في قوله:
وفي واو "سوءات" خلاف لورشهم وعن كل "الموؤدة" اقصر و"موئلا"(٢)
وقد وافق الحصري في مذهبه الشيخ أبا محمد مكي وذلك في قوله في "التبصرة":
"فإن أتى بعد الهمزة في هذا الباب حرف مد ولين استغني بمده عن مد حرف اللين نحو "سوءاتهما" و"الموؤدة" وشبهه، مد الثانية ولا يمد الأولى"(٣).
وقد أجابه عن لغزه المذكور أولا جماعة من الأئمة، فمنهم من اقتصر على استخراج المطلوب وذكر علة ما وصفه فيه، ومنهم من أغلظ له في القول بسبب ما فهموه من قوله "على مثلكم تخفى ومن مثلكم تبدو" من تعريض، قال ابن عبد الملك متعقبا لبعض تلك الاعتراضات:
"ثم ان هذه مآخذ ينزه عن الخوض فيها اهل العلم والورع، ولا أدري ما حمل هؤلاء الأفاضل على تاويل ذلك على الحصري حتى جرأهم على الافحاش، تعريضا كتصريح، وتمريضا في مساق تصحيح، إلا قوله: "ومن بعضكم تبدو"، وليس فيه ما تالوه عليه، إلا عند من نظره بعين السخط(٤) قال:
(١) - اللآلئ الفريدة (مخطوط خاص).
(٢) - يمكن الرجوع إلى باب المد من الشاطبية. وقد توسع ابن الجزري في النشر ١/٣٤٧ في ذكر مذاهب الأئمة فيها.
(٣) - التبصرة ٦٣.
(٤) - يشير إلى البيت الجاري مجرى الأمثال:


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
"وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا