٣- توافر الاستفاضة والشهرة في الحرف المختار وعدم شذوذه ومخالفة الجماعة.
٤- موافقة الوجه المختار في القراءة والأداء للمرسوم في المصحف "الإمام".
٥- أن يكون الوجه المختار فصيحا مأنوسا، بعيدا عن التقعر والتكلف والتأويل البعيد في معناه.
ولكي نتبين منهجه واضحا في تطبيق هذه العناصر، يجدر بنا أن نقف معه على كل عنصر منها، لنرى كيف استوفاه في اختياراته، حتى انتهى إلى جمع ما تواتر في حرفه من وجوه واختيارات في أصول الأداء وفرش الحروف.
أولا: ففيما يخص اعتماده في اختياره على الرواية والنقل عن المشايخ، لا على الاستحسان الشخصي، أو القياس اللغوي والنحوي، نحا نافع منحى سلفه من الأئمة الذين أخذوا القراءة عن الصحابة مباشرة، وسلك سبيل أمثاله من أئمة الأمصار في تحري الاستفاضة والنقل الصحيح السائر الذي عليه الناس، دون الغريب النادر الذي لا يثبت في الأثر والرواية، وهو المنهج العام الذي عبر عنه شيخ قراء بغداد في زمنه أبو بكر بن مجاهد في كتاب "جامع القراءات" بقوله: "ولم أر أحدا ممن أدركت من القراء وأهل العلم باللغة وأئمة العربية، يرخصون لأحد في أن يقرأ بحرف لم يقرأ به أحد من الأئمة الماضين، وإن كان جائزا في العربية، بل رأيتهم يشددون في ذلك وينهون عنه أشد النهي، ويروون الكراهية له عمن تقدمهم من مشايخهم، لئلا يجسر على القول في القرآن بالرأي أهل الزيغ، وينسبون من فعله إلى البدعة والخروج عن الجماعة، ومفارقة أهل القبلة، ومخالفة الأمة"(١).
ويقرر مثل ذلك الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره في غير موضع حين يتعرض لذكر ما لم يصح عنده من القراءات فيقول: "وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية، لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوه عمن قبلهم"(٢).
(٢) - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري ٢/١٤٦.
لم نتكل في ارتفاع الصيت قط على | إشادة الصوت من "زيد" كما اتكلوا |
ولم نبع أجر تعليم القران بما | يفنى من السوم في الدنيا كما فعلوا(١) |
وإن إماما هذا شأنه من الرسوخ في صناعة العربية والتقدم في القراءة وعلومها، والتفنن في المعارف جملة لحري أن يتعدد شيوخه، وأن يكونوا من النبل وشفوف القدر في هذا الشأن في الذروة العليا والمقام الأسنى.
إلا أننا بالنسبة للمترجم نجد كتب التراجم أولا عن آخر لا تولي لذلك اعتبارا، ولا ترفع له منارا، حتى انتهى ذلك إلى الشيخ كنون فذكر أنه "لم يذكرهم أحد ما عدا أبا حيان النحوي صاحب التفسير" يعني أنه المذكور وحده.
والحق أن الرجل لم يكن في هذا المجال نكرة من النكرات، وإنما هو ذنب التقصير في تتبع أخباره وقراءة آثاره.
وقد أتيح لي بحمد الله أن أقف على ذكر إثنين من أعلام مشيخته أحدهما من المتصدرين للقراءة والعربية بفاس والآخر من المتصدرين لإمامة الأقراء بسبتة، هذا إلى جانب أخذه في رحلته المشرقية عن أبي حيان وربما عن غيره، مما يدل على أنه قد زاحم بالمناكب في حلقات العلم ولقي أكابر الشيوخ في رحلات عدة ذهبت أخبارها بذهاب أخباره وكثير من آثاره. أما شيخه الذي أخذ عنه بفاس فهو:
١- أبو عبد الله بن القصاب: