... فلا طريق لقياس ونظر في ما أتى فيه أداء أو أثر(١)
وقال في جامع البيان: "وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت(٢)لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها"(٣).
وقد غاب هذا الملحظ عن طائفة من النحويين والمفسرين الذين تصدروا للطعن في بعض حروف القراءة مما قرأ به بعض القراء السبعة، متوهمين أن القراءة لما كان مرجعها إلى اختيار القارئ، كان لابد أن يكون فيها مجال للاجتهاد الشخصي، وإنما عكر عليهم في نظرنا أنهم لم يتبينوا جيدا الفارق بين ما هو اجتهاد في اختيار رواية من بين جملة من الروايات، وما هو اجتهاد من قبيل الرأي والوضع، دون أي سند من الرواية والنقل، إذ الأول محدود النطاق في دائرة المروي، أما الثاني فلا ضابط له، ومن ثم فلا سبيل إليه.
وهذا القصور في الفهم أيضا هو الذي أدى بجماعة منهم إلى إنكار تواتر قراءات السبعة، بدعوى أنها اختياراتهم، وأن كل واحد من السبعة قد ذكر أسانيد قراءته، حتى قال بدر الدين الزركشي:
"ان التحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواتوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه نظر"(٤).
وقد غاب عن هؤلاء مثل ما غاب على من قبلهم، وهو أن اجتهاد القارئ في اختيار أحد وجوه القراءات من بين جملة وجوه كلها متواتر، لا يخرج قراءته في الجملة عن أن تكون متواترة.
(٢) - في منجد المقرئين ٦٥ "عنهم".
(٣) - جامع البيان القراءات السبع (مخطوط) نقله عنه غانم فدوري في كتابه "رسم المصحف" ٦٥٥.
(٤) - البرهان في علوم القرآن للزركشي ١/٣١٩.
-نسبة إلى الجزيرة الخضراء بالأندلس- نزيل سبتة المعروف بأبي القاسم بن الطيب الإمام الحافظ لمؤلفات الأئمة، و "علامة الغرب" كما وصفه ابن الجزري (١). وقد ترجمنا له ترجمة وافية في أصحاب أبي الحسن ابن أبي الربيع في المتصدرين المبرزين بسبتة. كما أشرنا إليه في مشيخة أبي عمران بن حدادةة عن قريب.
ومستندها فيما ذكرناه من تتلمذ ابن آجروم عليه هو ما ذكره بنفسه في كتابه المنوه به آنفا عند قول الشاطبي ـ رحمه الله ـ
سوى ياء إسرائيل أو بعد ساكن | صحيح ك "قرءان" و"مسؤولا" "اسألا" |
"وهذا الحكم المذكور إنما هو في الوصل، وأما في الوقف فقال ابن آجروم في "فرائد المعاني":
"لا يجوز فيه إلا الطبيعي كما في الوصل، لأنه إنما ترك مد الياء في الوصل خوفا من أن يجمع في كلمة واحدة بين مدتين مع كونه أعجميا، وهذا بعينه موجود في الوقف ـ قال ـ: وقد سألت عن ذلك شيخنا أبا القاسم بن الطيب الضرير فقال ما هذا نصه...(٢). فهذا النص القيم عند ابن آجروم يضع أيدينا على أستاذ آخر من أساتذته الكبار الذين تخرج عليهم في القراءات وأصول أدائها وأقوال الأئمة في الاحتجاج لها وتوجيهها، ولا نستبعد أن تكون لابن آجروم رواية عن غير أبي القاسم من المتصدرين المبرزين بسبتة في زمن تصدره ممن عرفنا بهم في مشيخه الإقراء بسبتة كابن أبي الربيع وأصحابه.
(٢) - تقدم نقل هذا النص مع قول أبي القاسم ابن الطيب في عدد سابق من هذا البحث ويمكن الرجوع إليه.