ويقول أبو حيان الغرناطي في تفسيره: "ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، لأن كلا منهما متواتر، فهما في الصحة على حد سواء"(١).
وقد نبه الإمام أبو سعيد بن لب على الخطأ والتعسف في الحكم الذي وقع فيه كثير ممن أنكروا تواتر القراءات السبع أو بعضها، لمجرد أنهم لا علم لهم أو لأهل بلدانهم بها، وذكر "أن تواتر القراءات السبع إنما هو خصوص في القراء والأقطار، وليس تواتر عموم كالعلم بالبلاد النائية والقرون الخالية، وإنما ذلك كتواتر أشياء من الصنائع عند أهل كل صناعة، فلا يعرف ذلك التواتر غيرهم... كذلك قراءة نافع تواترت بالمدينة وأحوازها عند قرائها، وعند من تنقل إليه كذلك في البلاد النائية، ان نقلت إليها، فربما سمع قراء بلد قراءة متواترة في غيرها ثم ينكرونها، لأنهم لم يبلغهم تواترها، ولا يقدح ذلك في تواترها"(٢).
ومن سيطرة الأخذ بموجب القياس على مناهج أهل اللغة والنحو، مبادرة طائفة من الكتاب إلى الطعن في جملة من الاختيارات التي قرأ بها بعض السبعة، ونسبوهم فيها إلى الجهل والغباوة، على غرار ما فعله ابن قتيبة في كتابه "تأويل مشكل القرآن" حيث انتقد على نافع وغيره مواضع من القراءة خالف فيها مقتضى القياس اللغوي، فقال: "وقرأ نافع" "فبم تبشرون"(٣)بكسر النون، ولو أريد بها الوجه الذي ذهب إليه الكاتب، لكانت "فبم تبشرونني" بنونين، لأنها في موضع رفع"(٤).
وفعل مثله أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني فعاب على نافع كسر النون في هذا الحرف، وقال: "هذا يكون في الشعر اضطرارا"(٥).
(٢) - المعيار المعرب ١٢/١٠٣-١٠٤.
(٣) - سورة الحجر خاتمة الآية ٥٤.
(٤) - تأويل مشكل القرآن ٤٥ (الطبيعة٦١).
(٥) - نقله أبو حيان في البحر المحيط ٥/٤٥٨.
فرجل هذا شأنه وفي مثل السن التي توفي فيها لا ينتظر أن تكثر مؤلفاته، ولا أن تكون في مثل كتبه من العمق وغزارة المادة وسعة الأفق مع تعدد الفنون والمجالات، وقد تتبعت في المصادر أسماء مؤلفاته في القراءات بصفة خاصة فوقفت على ذكر أسماء المصنفات التالية ما بين منظوم ومنثور:
١- جزه المشهور المسمى ب "البارع في قراءة نافع" وسيأتي ذكره بتمامه بعد أن وفق الله للعثور عليه.
٢- رجزه الآنف الذكر الذي نظم فيه كتاب "التيسير" لأبي عمرو الداني وسماه "التبصير في نظم التيسير"
وهو من آثاره المفقودة منذ زمان، وقد تقدم ذكره فيما قام على "التيسير" من نشاط علمي وكذا في معارضات "حرز الأماني" للشاطبي، ولم أقف بعد البحث الطويل من هذا الرجز إلا على قوله فيه في باب الزوائد :
وفي التلاقي والتنادي الخافعن ابن مينا، والصحيح الحذف
ذكره له معزوا إلى الرجز المذكور كل من المنتوري وابن القاضي في باب الزوائد من شرحيهما على درر ابن بري.
٣- كتاب "روض المنافع"، ولعل تمامه في "قراءة نافع" كما تدل عليه النقول عنه.
وهو تأليف نثري أكثر من النقل منه المنتوري في شرحه على ابن بري ابتداء من مقدمته عند ذكر بيان معنى الحمد، ثم في باب ميم الجمع في ذكر اللغات الواردة فيها بالضم والصلة والإسكان، ثم في باب المد والإمالة والراءات وغيرها.
٤- كتاب فرائد المعاني في شرح حرز الأماني، وبعضهم يسميه "فوائد" بالواو والصواب الأول كما في مخطوطته الباقية بخط مؤلفه بالخزانة العامة بالرباط(١). وهو من الشروح المغربية النفيسة على الشاطبية ومن مفاخر المكتبة المغربية وقد وجدت طلبة الدراسات الإسلامية يتهيبون الإقدام على تحقيقه حتى الآن.
٥- أرجوزة في ألفات الوصل، أولها قوله:
يا سائلا عن ألفات الوصل | في الحرف أو في الاسم أو في الفعل |