ومثله انتقاد أبي عبيدة معمر بن المثنى على نافع قراءته: "ولولا دفاع الله الناس.."(١)، وأنكر أن يقال "دفاع" وقال: "لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد"(٢).
قال مكي بن أبي طالب "وهذا وهم من أبي عبيدة، توهم فيه باب المفاعلة وليس به"(٣).
وانتقد بعض أهل العربية على نافع قراءته في قوله تعالى في سورة الأنعام: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"(٤)بإسكان ياء "محياي" وفتح "ومماتي" قالوا: "وكان الوجه أن يعكس فيفتح الأولى تجنبا لالتقاء الساكنين، ويسكن الثانية"(٥).
ولا يخفى أن هذه الانتقادات إنما تقوم على الظن بأن نافعا ونظراءه من الأئمة إنما يرجعون في اختياراتهم إلى الاجتهاد الشخصي، مما ترتب عنه ـ في زعمهم ـ سوء تصرف في القراءة، أو سوء تصور للفصيح من الكلام، وحتى قال ابن قتيبة بعد أن عدد حروفا مماثلة قرأ بها السبعة وغيرهم، وبعد حملة عنيفة على قراءة حمزة خاصة، قال: "وما أقل من سلم من هذه الطبقة في حرفه من الغلط والوهم"(٦).
ونحن نعتقد أن نافعا وأمثاله من خيار الأئمة ما كان ليخفى عليهم ما يوجبه القياس النحوي والمقتضى اللغوي لولا أنهم يستندون إلى ركن ركين من الرواية عن المشايخ، إذ القراءة ـ كما جاء عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وجماعة من التابعين ـ سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرأوا كما علمتموه ـ أو كما علمتم ـ"(٧).

(١) - البقرة الآية ٢٥١ والحج ٤٠.
(٢) - تفسير القرطبي ٣/٢٥٠.
(٣) - نقله القرطبي في التفسير ٣/٢٥٩.
(٤) - سورة الأنعام الآية ١٦٢.
(٥) - حكاه أبو شامة في إبراز المعاني ٣٠٠.
(٦) - ينظر كتابه تأويل مشكل القرآن٤٣-٤٥.
(٧) - ورد الحديث باللفظين على اختلاف الرواية. ينظر في كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩-٥٢ والإتقان ١/٢١١.

وهي في ثلاثة عشر بيتا(١).
هذه هي جملة ما تأتى لنا الوقوف عليه من آثار ابن آجروم في القراءة وعلومها.
ولا شك أن هذه الآثار كافية عندنا وحرية بأن تضعه في مكانته العلمية بين رجال هذا الرعيل من رواد المدرسة الأصولية المغربية في قراءة نافع في عهد ريعانها وباكورة شبابها، وخاصة منها شرحه النفيس على حرز الأماني الذي عل منه ونهل عدد كبير من أئمة القراءات بالمغرب، وخاصة رجال المدرسة الفاسية كالخراز في شرح ابن بري، وابن المجراد في شرحه أيضا، وابن شعيب في كتابه "إتقان الصنعة في التجويد للسبعة"(٢) وسواهم كثير.
ويهمنا من تراث أبي عبد الله بن آجروم هنا أن نعرف بأرجوزته السائرة المسماة ب"البارع" لأنه بها من جهة السَّبْق مثل الريادة المطلقة في هذا المضمار بالنظم في قراءة نافع في هاتين الروايتين، رواية ورش ورواية قالون، من بين رجال المدرسة المغربية لهذا العهد، وكان نظمه لأرجوزته المذكورة قبل انتهاء المائة السابعة بنحو أربع سنوات أي سنة ٦٩٦ هـ أي قبل نظم أبي الحسن بن بري للدرر اللوامع بسنة واحدة أو نحوها كما سيأتي في موضعه من هذه السلسلة بعون الله.
الفصل الثالث:
أرجوزته "البارع في قراءة نافع" في نصها الكامل.
(١) - وقفت عليها مخطوطة بخزانة أوقاف آسفي العتيقة في مجموع كان محبسا على المسجد الأعظم بها.
(٢) - كان الكتاب موضوع دراسة وتحقيق لصديقنا الأستاذ حسن صدقي من مدينة اليوسفية في رسالة دبلوم بإشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي في مجلدين.


الصفحة التالية
Icon