ولقد كانوا حتى في المخالفة اليسيرة للرسم بزيادة ألف أو واو أو ياء، مما تمشيه صحة الرواية، يتحرجون إذا كتبوا مصحفا أن يكتبوا تلك الزيادات بالسواد الذي تكتب به الحروف الأصلية، ومن أبرزها في قراءة نافع من رواية ورش وقالون طائفة من الياءات المتطرفة المسماة عند القراء بالزوائد، لأنها زائدة على خط المصحف في بعض الروايات(١)، ولذلك كان كتاب المصاحف قبل ظهور المطابع الحالية يلحقونها في الكتابة بلون مغاير، إشارة إلى زيادتها، وجملتها في رواية ورش من طريق الأزرق التي عليها القراءة عندنا بالمغرب سبعة وأربعون، وفيها يقول أبو الحسن الحصري في رائيته في قراءة نافع:

زوائد ورش أربعون وسبعة ووافقه قالون في أول الشطر(٢).
وإنما سلك الكتاب في ترك رسمها مسلك سلفهم من الأئمة، فقد أثر عن نافع أنه كان يثبت هذه الزوائد في اللفظ، ويطرحها في الخط، تمشيا مع مذهب الجماعة. روى ابن مجاهد بسنده عن الأصمعي قال:
"سمعت نافعا يقرأ "والبادي"(٣)بياء، فقلت لنافع: هكذا كتابها؟ فقال: لا(٤).
وروى ابن الأنباري بسنده عن قالون عن نافع "أنه كان يقرأ في الكهف "فلا تسألني عن شيء"(٥)ويقول: الياء مكتوبة، وفي هود "فلا تسألن" بنصب اللام وخفض النون بغير ياء"(٦)أي لأنها مكتوبة كذلك في الإمام.
وهذه الياءات الزوائد إنما يأخذ بها نافع في حالة وصل القراءة لثبوتها عنده في الرواية، فإذا وقف طرح الياء ووقف على ما قبلها(٧)، ولباقي السبعة مذاهب ثلاثة ذكرها الداني في المنبهة فقال:
(١) - النشر ٢/١٧٠ – والنجوم الطوالع ١٧٧.
(٢) - رائية الحصري (مخطوطة) وستأتي.
(٣) - يعني في الوصل، ويعني قوله تعالى "سواء العاكف فيه والبادي" من سورة الحج الآية رقم ٢٥.
(٤) - السبعة في القراءات ٤٣٦.
(٥) - الكهف الآية رقم ٧٠.
(٦) - إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري ١/٢٣٦. والكلمة في سورة هود الآية رقم ٤٦.
(٧) - إيضاح الوقف والابتداء ١/٣٨٥.

ثم قال: "وأما نسبه فقد ذكره ـ رحمه الله ـ وأنه أموي النسب من بني أمية، وأن أصله من "شريش" مدينة ببر الأندلس ـ أعادها الله للإسلام ـ وكان سكناه بمدينة فاس إلى أن توفي بها، ودفن بالجيزيين منها، وقبره بها معروف رحمه الله"(١).
ذلك مجمل ما قاله ابن آجطا عن اسمه ونسبه، وذكر أبو الحسن التروالي الزرهوني في أول شرحه الآتي على المورد أن موضع سكناه كان فاس الجديدة، وكانت صناعته – رحمه الله – الخرازة في أول عمره، واشتغل في آخر عمره بتعليم القرءان، وكان يعلم الصبيان، ومات – رحمه الله – بفاس الجديدة، ودفن بموضع يعرف ب "الجيزيين"(٢) قال أبو محمد عبد الواحد بن عاشر في فتح المنان: "دفن بـ"الجيزيين" وهو الموضع المعروف الآن ب "باب الحمراء"(٣)، وزاد بعضهم في تقييد له" "وضجيعه ابن آجروم"(٤).
أما ظروف هجرته من "شريش" التي قال ابن آجطا عنها "أعادها الله للإسلام"، فلا خبر عنها في مصادر ترجمته، والظاهر أن سقوطها في أيدي الصليبين في حركة الاسترداد المعروفة كان السبب المباشر لنزوحه عن الأندلس واستقراره بمدينة فاس كما استقر بها أو بالحواضر الشمالية عدد ملحوظ من قراء هذا البلد لهذا العهد كما نجده في مشيخة ابن حدادة ـ كما رأينا ـ ومشيخة ابن بري وغيره كما سيأتي.
ولا ندري كم عاش من العمر حتى نقدر ميلاده على سبيل التقريب، إلا أننا نعلم أنه بلغ مبلغ الرجال وتزوج وولد له ـ كما يستفاد ذلك من قول ابن آجطا السابق ـ، والظاهر أنه كان كصاحبه ورفيقه أبي عبد الله بن آجروم ممن نبغ في سن مبكرة، ثم مات في مقتبل العمر بعد أن تفتقت مواهبه وتراد عطاؤه العلمي.
(١) - التبيان لابن أجطا (مخطوط خاص).
(٢) - مجموع البيان في شرح ألفاظ مورد الظمآن للتروالي – سيأتي.
(٣) - فتح المنان لابن عاشر (مخطوط خاص).
(٤) - تقييد بهامش نسخة مخطوطة من فتح المنان.


الصفحة التالية
Icon