ولعل هذا المستند في قراءتها بالياء قد غاب العلم به عن الفقيه القاضي يحيى بن أكثم(١)فذكر الإمام أبو عمرو الداني بسنده أن الخليفة المأمون قرأ على معلمه "ليهب لك" "بالياء"(٢)، فقال له يحيى بن أكثم: "لا أحب لك يا أمير المؤمنين أن تقرأ بهذه الآية(٣)، فقال له المأمون: ولم؟ قال: تخالف المصحف، فالتفت المأمون إلى إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليزيدي(٤)فقال: ما تقول يا إبراهيم؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه قراءة قرأ بها غير واحد من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ، أولهم أبوك عبد الله بن عباس، قال إبراهيم: فالتفت إلي أخي محمد بن يحيى(٥)ـ وكان المعلم ثقيل السمع، فقال لي: ما أنتم فيه يا إبراهيم؟ فقلت: قرأ أمير المؤمنين "ليهب لك"، وأنكر عليه يحيى بن أكثم لمخالفته المصحف، فقال محمد للمأمون: ما ليحيى وهذا؟ حرف قرأ به من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ جماعة، ومن التابعين، أو كل ما في المصحف يقرأ به؟ قال: فسكت يحيى ولم يتكلم"(٦).
(٢) - معلمه هو يحيى بن المبارك اليزيدي أبو محمد راوية قراءة أبي و عمرو بن العلاء ترجمته في تاريخ بغداد ١/١٤٦-١٤٨ ترجمة ٧٤٦٥ – وغاية النهاية ٢/٣٧٥-٣٧٧ ترجمة ٣٨٦٠.
(٣) - يعني بهذه القراءة في الآية.
(٤) - ولد يحيى الآنف الذكر، وهو نحوي لغوي كأبيه. – ترجمته في غاية النهاية ١/٢٩ ترجمة ١٢٢.
(٥) - مقرئ أخذ القراءة عن أبيه، وكان يقرئ المأمون. – ترجمته في غاية النهاية ٢/٢٧٧ ترجمة ٣٥٢٨.
(٦) - نقله الونشريسي في المعيار المعرب ١٢/٨٩.
فالخراز إذن ذهب مذهب شيخه متمسكا باختيارات مدرسته، وأبو وكيل يخالفه لأخذه بمذاهب مدرسة ابن سليمان ولا يضير الخراز أن يختلف مع غيره في مذاهب الترجيح والتوجيه، فإن اختلاف مدارس الأداء إنما يقوم في أكثره على مثل هذه المآخذ والمنازع والموازنات بين الطرق والروايات.
- ومن ذلك أخذه لقالون بالإدخال بين الهمزتين في "أأشهدوا" تبعا لشيخه ابن القصاب كما أشرنا إلى ذلك في ترجمة ابن آجروم.
٢. أما شيخه الثاني الذي استفاد منه في العربية وتوجيه القرءات فهو أبو عبد الله بن آجروم الآنف الذكر.
وهو وإن كان لا يسميه شيخنا كما يفعل مع ابن القصاب ويكتفي بقوله "صاحبنا" فإن النقول الكثيرة عنه في شرحه على الدرر اللوامع كثيرة مستفيضة تدل على مقدار استفادته منه واعتماده عليه، وقد أكثر من النقل عنه خاصة في باب المد وباب الهمز، ومما قال في باب المد عند ذكر لفظ "إسراءيل".
"قال صاحبنا الأستاذ أبو عبد الله محمد الجرومي ـ رحمه الله ـ(١): مع كونه اسما أعجميا، لأنه كثيرا ما يخالف أحكام الأسماء العربية، مع كونه بلغ غاية عدد حروف الأسماء، وغاية عدد حروف الأسماء سبعة أحرف، فمد الألف ـ يعني ورشا ـ وترك الياء، لأن الياء أضعف، ولأن الهمزة قبلها، فالضعف فيها من وجهين(٢).
وقد أشار أبو الحسن التروالي في شرحه على المورد إلى لقاء الخراز لابن آجروم بما يشهد لما قدمنا(٣).
٣. أما الشيخ الثالث الذي لقيه الخراز واستفاد منه في أصول الأداء في قراءة نافع، ولذلك كان أول من تصدى لشرح أرجوزته فهو الشيخ أبو الحسن بن بري صاحب "الدرر اللوامع).
(٢) - القصد النافع لوجه ٤٩ (م خ ح رقم ٣٧١٩).
(٣) - قال في "مجموع البيان": ولقي الأستاذ ابن آجروم – رضي الله عنه – وأخذ عنه.