وقد أثر عن نافع وبعض أصحابه، وبعض الأئمة الذين وصفوا قراءته بالقياس إلى غيرها، ما يشبه أن يكون دستورا عاما له في القراءة، أو يمكن تسميته "برنامجا" لاختياراته وسماتها ومعالمها ومذاهبه فيها أرى من المفيد أن نقف مع القارئ الكريم عليه فيما وصل إلينا من نقول الأئمة.
دستور نافع في القراءة كما حدده ووصفه بعض الأئمة لقراءته:
قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتاب التحديد:
"جاء رجل إلى نافع فقال: خذ علي الحدر(١)، فقال نافع: ما الحدر؟ ما أعرفها، أسمعنا قال: فقرأ الرجل، فقال نافع: "حدرنا أن لا نسقط الإعراب، ولا نشدد مخففا، ولا نخفف مشددا ولا نقصر ممدودا، ولا نمد مقصورا، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ سهل جزل، لا نمضغ ولا نلوك، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر، ملي عن وفي، ديننا دين العجائز، وقراءتنا قراءة المشايخ، نسمع في القرآن، ولا نستعمل الرأي، ثم قرأ نافع ـ رحمه الله تعالى ـ:
"قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن ياتوا بمثل هذا القرآن، لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"(٢)(٣).
وصف قالون لمذهب شيخه في المد
ومن تمام ما جاء عن نافع مجملا ما جاء عن صاحبه قالون مفصلا في أصول روايته عنه، ومنها في باب المد فيما رواه أبو بكر بن مجاهد في السبعة من طريق أحمد بن يزيد الحلواني عن قالون عن نافع:
(٢) - سورة الإسراء الآية ٨٨.
(٣) - التحديد لحقيقة الإتقان والتجويد للداني (مخطوط)، والنص منقول عند السخاوي في جمال القراء ٢/٥٣٠، وأشار محققه إلى ص ٩٣ من النسخة المطبوعة بتحقيق الدكتور غانم قدوري حمد – مطبعة الخلود بغداد – ١٤٠٧-١٩٨٨.
ثم بدا له بعد أن نظم ما نظم أن يستبدل الأرجوزة الأولى المتعلقة بالرسم والتي كان قد سماها "عمدة البيان" لأنه ذكر فيها مسائل الرسم غير معزوة في الغالب لناقليها، فنظم بدلها أرجوزته السائرة المعروفة ب "مورد الظمآن" وأبقى القسم الخاص بالضبط على حاله إلا أنه سماه "عمدة البيان" أيضا، وكان نظمه الأول الذي عدل عنه سنة ٧٠٣هـ، أما نظم "المورد" فكان كما ذكر فيه ـ كما سيأتي ـ سنة ٧١١هـ، فكان نظمه الأخير بمثابة النسخ للأول.
ومن هنا جاء الاضطراب في شأن مسمى "عمدة البيان" فشارح المورد أبو محمد بن آجطا ذكر أن له نظما في الضبط سماه "عمدة البيان، ولم يذكر النظم الأول الذي كان يحمل هذا الاسم، وغيره من الشراح كالمجاصي والشوشاوي وابن عاشر ذكروا التعديل الذي وقع كما وصفناه.
ومع هذا البيان فقد بقي العنوان مشتركا عند طائفة من المؤلفين بين أرجوزة الرسم الأولى وأرجوزة الضبط، وقد وفقت على هذا الاضطراب في بعض كتب ابن القاضي، فوجدته تارة يعني ب"عمدة البيان" الرسمية كقوله:
الجاهلية بحذف الألف | لابن نجاح حيث جاء فاعرف |
ونصه في "عمدة البيان" | و"منصف" أيضا فخذ بياني(١) |
"فالضبط مبني على الوصل جرى | كغيره من الحروف سطرا |
وذاك بالإجماع عند القدما | متفق عند جميع العلما |
ونصه في "عمدة البيان" | كذلك في "الطراز"(٢) خذ بياني(٣) |
(٢) - الطراز في ضبط الخراز للتنسي – سيأتي.
(٣) - بيان الخلاف والتشهير والاستحسان لابن القاضي.