"هذا مما لا أعلمه بعلمي، ولا يعلمه أحد إلا بالتعلم، ثم سأله عن حروف كيف كان أبو جعفر يقرؤها؟ وكيف كان شيبة يقرؤها؟ فقال له: "قراءة نافع فيها كذا وكذا، وهي قراءتنا، وإنه قد كفانا المؤونة، حتى لو أدركنا من أدرك ما عدونا ما فعل"(١)، إنه أخبرنا أنه أدرك هؤلاء القوم فنظر إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذه، وما شذ فيه واحد فتركه. قال: فإني على حال أحب أن تعلمني، فأبى، فكلم الكسائي الفضل(٢)، وذكر أنه إنما سأل أمير المؤمنين هارون هذا المجلس لهذا المعنى، فقال له الفضل: أحب أن تجيبه إن خف عليك، فإن له من أمير المؤمنين ومنا مكانا(٣)، فقال: "ما يثقل علي أن أكون أعلمه، إلا أنه شيء قد أمتناه بالمدينة، واجتمعوا على قراءة نافع" قال: فإني أحب أن تفعل، قال: سل عما بدا لك، فأخذ يسأله وهو يجيبه قال فيها أبو جعفر وشيبة وفلان"(٤).

(١) - في المطبوع "ما عدونا نافعا"، وهو تحريف لا يصح معه المعنى، والصواب ما في السبعة ٦٣.
(٢) - يعني الفضل بن الربيع وزير الرشيد.
(٣) - يعني أنه كان مؤدب ولده ينظر في سبب اتصاله به انباه الرواة على أنباه النحاة للفقطي ٢/٢٥٥. قال الذهبي قي معرفة القراء ١/١٢٠ "وكان في الكسائي تيه وحشمة لما نال من الرياسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد وتأديبه أيضا للرشيد".
(٤) - جمال القراء وكمال الإقراء ٢/٤٤٣-٤٤٤.

وعن من اقتبس علما منهم
وعاملا بما وعى من علمهم
في رجز مقرب للفهم
وحذفه مرتب على السور
تذكرة لناشئ وبارع
ومن أجل الكتب اختصرته
أعني أبا عمرو الإمام الداني
لابن نجاح المقرئ الجليل
من(١) "منصف" للمقرئ البلنسي
لأجل إطلاق حروف فيه
مع أنه من ابن لب(٢) نالا
حدثني عن شيخه "المغامي"
وكنت قد ضمنته من آخر
ينسب أيضا لأبي داودا
بهذه لكثرة المداولة
سميته "بعمدة البيان"
جميع ما نظمه وقالا:
ذي العلم بالتنزيل والأحكام
حذفا كثيرا ما له من ذاكر
وليس مثل غيره معهودا
لها بأيدي الناس والمحاولة
في رسم ما قد خط في القرءان
وأكتفي في نظم ما قد كررا
وربما استدركت بعض أحرف
فكل مطلق به فحيثما
ملتمسا من ربي القدير
لأنه مني عليه المتكل

باب من الحذف أتى مختصرا


أستفتح الذكر بأم القرءان
وجاء في اللهم ثم العالمين
ونحو سماعون قوامينا
وفي المؤنث كنحو البينات
وما به حرفان نحو الصالحات
من سالم الجمع الذي ترددا
فالثبت في التذكير فيما ضعفا
كذاك في التأنيث مع ما شددا
لكن في التأنيث حذفا كثرا
وقد أتى الرسم بثبت السيئات
وخاسئين حذفوا وخاطئون
ولم أجد حذفهما المنقوصا
وبقيت من بعد ذا مواضع
وليس تحديدهما المكررا
بذكر ما قدم عن ما أخرا
أغفلتها قبل لدى التألف(٣)
وكيفما أخر أو تقدما
عونا وعصمة من التغيير
في كل قول قلته أو في عمل
في كلمات قس عليها النظرا
الحذف في اسم الله ثم الرحمن
وما أتى من نحوه كالصابرين
وشبهه إلا بجبارينا
ونحو ذريات مع مفتريات
حذفهما في أكثر الرسوم آت
ما لم يكن مهموزا أو مشددا
(١) - كذا ولعل المراد في.
(٢) - تقدم ذكر المنصف في الرسم وهو أرجوزة لأبي الحسن على بن محمد المرادي البلنسي الأندلسي، وقد أسند روايته للرسم في كتابه عن ابن لب القيسي مما أخذه عن الإمام أبي عبد الله المغامي صاحب أبي عمرو الداني كما تقدم.
(٣) - لعل في البيت إشارة إلى تأليفه النثري الذي ذكر ابن آجطا أنه رآه وطالعه كما أسلفناه.


الصفحة التالية
Icon