ونشير إلى أن هذا الوالي قد جاء إلى المغرب بعد اختلال الأحوال وانتقاض البربر على المسلمين بعد مقتل عقبة بن نافع وعجز خلفه عن رأب الصدع ورد الأمر إلى نصابه، فاستطاع حسان بما أوتي من حنكة في القيادة أن يقضي على الأحلاف البربرية ويبدد شمل المعارضة المعتصمة بالجبال بزعامة الكاهنة التي عزمت على إجلاء العرب من افريقية، ويذكر أنه لما تخلى كثير من أحلافها عن نصرتها راجعت الإسلام، فاستصفى حسان من جندها وغيرهم من البربر الأجلاد يجاهدون مع العرب فأجابوه إلى ذلك وأسلموا على يديه(١). وعقد هذه المؤاخاة بين أجناد العرب والبربر، "وعهد إلى ثلاثة عشر فقيها من كبار التابعين بتعليم القرآن وأصول الإسلام واللغة العربية"(٢).
٣- بعثة موسى بن نصير
ثم كانت البعثة الثالثة التي واصل بها الخلفاء في المشرق هذا العدد، وهي البعثة التي يقترن ذكرها بالوالي الجديد موسى بن نصير، وكان قدومه إلى افريقية بعد انسحاب حسان عنها معزولا، الأمر الذي خلف فراغا هائلا رجع معه الأمر إلى ما كان عليه من المخالفة على الولاة، وخصوصا في الجهات الداخلية والمعاقل الأطلسية، فلما كانت سنة ست وثمانين وولي الخلافة الوليد بن عبد الملك كتب إلى عمه عبد الله بن مروان واليه على مصر بولاية موسى بن نصير افريقية والمغرب، وقطعها عن عمه، وكانت أكثر مدن افريقية خالية باختلاف البرابر عليها(٣).

(١) - نفسه ١/٣٨ ورياض النفوس ١/٥٦.
(٢) - الخوارج في بلاد المغرب، للدكتور محمد إسماعيل عبد الرزاق ٣٨.
(٣) - البيان المغرب ١/٤١.

وإن لم يمد استغنى في الدهر كله عن المد فيه واستوى الوجد والفقد(١)
وما أصل حرف اللين في جمع بيضة وسوءاتكم الا التحرك لا الضد(٢)
وذلك راعى من رواه لورشنا بقصر ومدوا سائر الحرف واعتدوا
لكونه الأولى والأحق بمده لما قد ذكرنا، والاله له الحمد(٣)
جواب أبي الحسن بن بري التازي (ت ٧٣٠)
وممن أجاب الحصري عن لغزه أبو الحسن علي بن محمد بن بري متوجها إلى الغرض بإيجاز فقال:
نعم لم يمدوا الواو في جمع سوءة وفي ألف من بعد همزته مدوا
لأن هذيلا تفتح العين مطلقا فليس اذن له في الواو ان فتحت مد
ومن قال في المعتل تسكين عينه فما ان له عن مدها وسطا بد(٤)
هكذا جارى الحصري في مذهبه وبين وجه تركهم المد فيما حقه المد وهو حرف اللين قبل الهمزة، ومدهم ما ليس حقه المد وهو الالف بعد الهمزة، والا فإن ابن بري على مذهب الحافظ أبي عمرو الداني الآتي في المسألة، وإليه أشار أولا في "الدرر اللوامع" ثم عطف عليه بذكر الخلاف في قوله:
والواو والياء متى سكنتا ما بين فتحة وهمز مدتا
له توسطا وفي "سوءات" خلف لما في العين من فعلات
(١) - ذكر ابن عبد الملك البيت بلفظ "وان لم يمد استغنأ... وقال معلقا: " همز "استغنأ" خطأ لا عذر عنه ونظير روايته أيضا عند السخاوي في فتح الوصيد دون لفظ "في" بعدها، ولعل زيادة في مما استدرك عليه على سبيل الإيضاح لهذه الضرورة القبيحة التي ارتكبها بهمز المقصور، وزيادة "في "قبل"الدهر" من الفجر الساطع.
(٢) - في البيت تورية مقصودة كال فيها للحصري بالمكيال الذي كال به، وقد علق السخاوي عليه بقله، وهذا كما قال: "فنجهل فوق جهل الجاهلينا"ـ يريد بيت الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
(٣) - القطعة في فتح الوصيد والذيل والتكملة في ترجمة الشاطبي السفر ٥ القسم ٢/٥٤٨ـ٥٥٧ والفجر الساطع وغيرهما.
(٤) - نقله في الفجر الساطع في باب المد.


الصفحة التالية
Icon