ثم خرج موسى غازيا من افريقية إلى طنجة، فوجد البربر قد هربوا إلى الغرب خوفا من العرب فسار وراءهم حتى بلغ السوس الأدنى وهو بلاد درعة، فاستأمن إليه البربر وأطاعوا وولى عليهم واليا(١)"واستعمل مولاه طارقا على طنجة وما والاها في سبعة عشر ألفا من العرب واثني عشر من البربر، وأمر العرب أن يعلموا البرابر القرآن، وأن يفقهوهم في الدين"(٢).
والذي يهمنا هنا ما جاء في المصادر التاريخية من أنه اختار من جنده سبعة عشر رجلا من القراء والفقهاء وندبهم إلى سائر الجهات يعلمون القرآن وشرائع الإسلام(٣).
ولم تتعرض المصادر لتسمية أولئك القراء والفقهاء، إلا أن اهتمامهم بذكر عددهم يشير إلى أنهم كانوا في مهمتهم متمايزين عن غيرهم ممن يتطوعون بالقيام بهذه الشؤون، وربما كان فيهم التابعي الجليل عبد الرحمن بن رافع التنوخي الذي قيل انه أول من استقضي بالقيروان بعد بنائها ولاه عليها موسى بن نصير سنة ثمانين(٤).
وربما كان منهم صالح بن منصور المعروف بالعبد الصالح الذي يذكر ابن عذاري أنه دخل المغرب في الافتتاح الأول زمن الوليد بن عبد الملك، فنزل في بني تمسمان وعلى يديه أسلم بربرها وهم صنهاجة وغمارة(٥)وحفيده سعيد بن إدريس بن صالح هو باني مدينة نكور(٦).
ونشير هنا إلى مكانة موسى بن نصير نفسه في العلم والرواية، فقد كان يروي عن جماعة من قراء الصحابة وفقهائهم، ومن أبرزهم تميم الداري أحد الصحابة القراء(٧)، فغير بعيد أن يكون له أثر في تلقين القراءة إلى جانب من كان يلقنها من أصحابه ورجال بعثته.
٤- بعثة عمر بن عبد العزيز

(١) - البيان المغرب ١/٤٢.
(٢) - البيان المغرب ١/٤٢ وتاريخ ابن خلدون ٦/١١٠.
(٣) - معالم الإيمان للدباغ ١/٢١٣ وتاريخ ابن خلدون ٦/١١٠.
(٤) - مناقب الحضيكي ٢/٤٠٦-٤٠٧.
(٥) - البيان المغرب ١/١٧٦-١٧٨.
(٦) - المصدر نفسه ١/١٧٦.
(٧) - جذوة المقتبس للحميدي ص ٦.

وقد ذكر ابن القاضي في الفجر الساطع أن ابن بري زاد بعد البيت الأخير في رواية أبي زيد الجادري عن أبي زكرياء بن أحمد السراج عن القاضي أبي محمد بن مسلم عن الناظم قوله مشيرا ـ فيما يظهر ـ إلى جوابه للحصري:
وقد ذكرت سبب الخلاف في غير هذا بكلام شاف
جواب الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري صاحب كنز المعاني على الشاطبية (ت ٧٣٢)
وأجاب الحصري من المشارقة أبو إسحاق الجعبري فقال في الكنز بعد ذكر لغزه وبعض أجوبة من تقدمه عليه: وقد أجبت بقولي:
لنعم سؤال القيرواني ملغزا بكلمة "سوءات" بها الواو ما مدوا
لورش وبعد الهمزة الألف انجلى بمد ولا قصر فكيف أتى المد؟
نعم فتح عين جمع الاسماء أصلوا ليمتاز عن وصف لاسكانه جدوا
وقد سكنوا المعتل خشية قلبه وخوف ظهور المد ما عينه شدوا
والاجوف وافى عن هذيل محركا وإذ قصدوا التحريك اعلاله ردوا
فصار سكون العين في الجمع عارضا لذا قدروا فيه التحرك واعتدوا
فمن مد راعى اللفظ طردا لأصله وذو القصر مستثن وبالأصل يعتد
وقد سوغوا مد الذوائب بعدها لأن الذي من بعد ذينك ممتد
وهذا جواب الجعبري أعم من سؤال عن الحصري في ضمنه رشد
قال الجعبري: "وجه عمومه أنه فرض الكلام على وجه قصر الواو، وأجبت على وجهي القصر والمد، ويجوز هذا على وجه التعليم"(١).
ذلك لغز الحصري وما أثاره من ردود وأجوبة، وهو مبني كما رأينا على مذهب مدرسته الذي عبر عنه مكي فيما نقلناه عنه من "التبصرة"، وقد أقام سؤاله على مذهبه ولم يلتفت إلى ما في الكلمة الملغز بها من خلاف بين الأئمة.
(١) - كنز المعاني: باب المد (مخطوط). ويريد بجوازه على وجه التعليم التنظير بما في الحديث أن النبي ﷺ سئل: أنتوضأ بماء البحر؟ فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، فأجاب عن سؤال السائلين بأكثر مما طلب على وجه الإرشاد والتعليم.


الصفحة التالية
Icon